وكان لعنه الله يقول: إنَّ معبوده لما أراد أن يخلق الخلق تكلم باسمه الأكبر فوقع على تاجه، ثم كتب بأصبعه أعمال العباد من المعاصى والطاعات، فلما رأى المعاصى ارفض به عرقاً فاجتمع من عرقه بحران، أحدهما ملح مظلم والثانى نيّر عذب، ثم اطلع فى البحر فرأى ظله فذهب ليأخذه فطار، فأخذه فقلع عين ذلك الظل ومحقه، فخلق من عينيه الشمس وشمساً أخرى، وخلق الكفار من البحر المالح وخلق المؤمنين من البحر العذب، فى تخليط له كثير!
وكان مما يقول: إنَّ الأنبياء لم يختلفوا قط فى شىء من الشرائع.
وقد قيل: إنَّ جابر بن يزيد الجعفى الذى يروى عن الشعبى، كان خليفة المغيرة بن سعيد إذ حرقه خالد بن عبد الله القسرى، فلما مات جابر خلفه بكر الأعور الهجرى، فلما مات فوَّضوا أمرهم إلى عبد الله بن المغيرة رئيسهم المذكور، وكان لهم عدد ضخم بالكوفة.
وآخر ما وقف عليه المغيرة بن سعيد القول بإمامة محمد بن عبد الله بن الحسن ابن الحسين، وتحريم ماء الفرات، وكل ماء نهر أو عَيْن أو بئر وقت فيه نجاسة، فبرئت منه عند ذلك القائلون بالإمامة فى ولد الحسين.
وفرقة قالت بنبوة بيان بن سمعان التميمى، صلبه وأحرقه خالد بن عبد الله القسرى مع المغيرة بن سعيد فى يوم واحد، وجبن المغيرة بن سعيد عن اعتناق حزمة الحطب جبناً شديداً حتى ضُم إليها قهراً، وبادر بيان بن سمعان إلى الحزمة فاعتنقها من غير إكراه ولم يظهر منه جزع، فقال خالد لأصحابهما: فى كل شىء أنتم مجانين، هذا كان ينبغى أن يكون رئيسكم لا هذا الفسل.
وكان بيان - لعنه الله - يقول: إنَّ الله تعالى يفنى كله حاشا وجهه فقط، وظن المجنون أنه تعلق فى كفره هذا بقول الله تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ﴾، ولو كان له أدنى عقل أو فهم، لعلم أنَّ الله تعالى إنما أخبر بالفناء عما على الأرض فقط بنص قوله الصادق: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾، ولم يصف عزَّ وجلَّ بالفناء غير ما على الأرض، ووجه الله تعالى هو الله وليس هو شيئاً غيره، وحاشا لله من أن يُوصف بالتبعيض، والتجزئ، هذه صفة المخلوقين المحدودين لا صفة من لا يُحَد، ولا له مثل.
وكان لعنه الله يقول: إنه المَعْنِىُّ بقوله تعالى: ﴿هَاذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ﴾.
وكان يذهب إلى أن الإمام هو هاشم بن عبد الله بن محمد ابن الحنفية، ثم هى فى سائر ولد علىّ كلهم.
وقالت فرقة منهم بنبوة منصور المستير العجلى، وهو الملقب بالكسف، وكان يقال إنه المراد بقول الله عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ السَّمَآءِ سَاقِطاً﴾، وصلبه يوسف بن عمر بالكوفة.
وكان لعنه الله يقول: إنه عُرِج به إلى السماء، وأنّ الله تعالى مسح رأسه بيده وقال له: ابنى، اذهب فبلّغ عنى، وكان يمين أصحابه: لا والكلمة.
وكان لعنه الله يقول: بأنّ أول مَن خلق الله تعالى عيسى ابن مريم، ثم علىّ ابن إلى طالب.
وكان يقول بتواتر الرسل، وأباح المحرَّمات من الزنا والخمر والميتة والخنزير والدم، وقال: إنما هم أسماء رجال، وجمهور الرافضة اليوم على هذا، وأسقط الصلاة والزكاة والصيام والحج، وأصحابه كلهم خنَّاقون رضَّاخون، وكذلك أصحاب المغيرة بن سعيد.
ومعناهم فى ذلك، أنهم لا يستحلون حمل السلام حتى يخرج الذى ينتظرونه، فهم يقتلون الاس بالخنق وبالحجارة، والخشبية بالخشب فقط.
وذكر هشام بن الحكم الرافضى فى كتابه المعروف بـ "الميزان" - وهو أعلم الناس بهم لأنه جارهم بالكوفة وجارهم فى المذهب - أن الكسفية خاصة يقتلون مَن كان منهم ومَن خالفهم، ويقولون: نُعَجِّل المؤمن إلى الجنة والكافر إلى النار.
وكانوا بعد موت أبى منصور يؤدون الخُمس مما يأخذون ممن خنقوه إلى الحسن ابن أبى المنصور، وأصحابه فرقتان، فرقة قالت: إنّ الإمامة بعد محمد ابن علىّ بن الحسن صارت إلى محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين، وفرقة قالت: بلى إلى أبى المنصور الكسف ولا تعود فى ولد علىّ أبداً.
وقالت فرقة بنبوة بزيغ الحائك بالكوفة، وإن وقع هذه الدعوة لهم فى حائك لظريفة.
وفرقة قالت بنبوة معمر بائع الحنطة بالكوفة.
وقالت فرقة بنبوة عمير التبان بالكوفة، وكان لعنه الله يقول لأصحابه: لو شئت أن أعيد هذا التبن تبراً لفعلت، وقدم إلى خالد بن عبد الله القسرى بالكوفة فتجلد وسبّ خالداً، فأمر خالد بضرب عنقه فقُتل إلى لعنة الله.
وهذه الفرق الخمس كلها من فرق الخطابية.
وقالت فرقة فى أولئك - شيعة بنى العباس - بنبوة عمار الملقب بخداش، فظفر به أسد بن عبد الله أخو خالد بن عبد الله القسرى فقتله إلى لعنة الله.


الصفحة التالية
Icon