( احتيالهم على تركيز عقائدهم وترويجها )
ويظهر لنا أن الإمامية الإثنى عشرية لم يجدوا فى القرآن كل ما يساعدهم على أغراضهم وميولهم، فراحوا - أولاً - يدَّعون إن القرآن له ظاهر وباطن بل وبواطن كثيرة، وأن علم جميع القرآن عند الأئمة، سواء فى ذلك ما يتعلق بالظواهر وما يتعلق بالبواطن، وحجروا على العقول فمنعوا الناس من القول فى القرآن بغير سماع من أئمتهم.
وراحوا - ثانياً - يَدّعون أن القرآن وراد كله أو جله فى أئمتهم ومواليهم، وفى أعدائهم ومخالفيهم كذلك.
وراحوا - ثالثاً - يَدَّعون أن القرآن حُرِّف وبُدل عما كان عليه زمن النبى صلى الله عليه وسلم، وكل هذا لا أعتقد إلا أنه من قبيل الاحتيال على تركيز عقائدهم وإيهام الناس أنها مستقاة من القرآن الذى هو المنبع الأساسى والأول للدين.
وأعجب من هذا أنهم أخذوا يُموِّهون على الناس، ويغرون العامة بما وضعوه من أحاديث على رسول الله ﷺ وعلى أهل بيته، وطعنوا على الصحابة إلا نفراً قليلاً منهم، ورموهم بكل نقيصة فى الدين، ليجدوا لأنفسهم من رواء ذلك ثغرة يخرجون منها عندما تأخذ بخناقهم الأحاديث الصحيحة التى يرويها هؤلاء الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويحسن بنا ألا نمر سراعاً على هذه النقاط الأربعة بالذات، بل علينا أن نقف أمامها وقفة طويلة ودقيقة حتى نستطيع أن نقف على مدى هذه الأوهام والدعاوى التى كان لها أكبر الأثر فى اتجاه التفسير عند الإمامية الإثنى عشرية، فنقول وبالله التوفيق:
١- ظاهر القرآن وباطنه
يقول الإمامية الإثنا عشرية: إن القرآن له ظاهر وباطن، وهذه حقيقة نقرهم عليها ولا نعارضهم فيها بعد ما صح لدينا من الأحاديث التى تقرر هذا المبدأ فى التفسير، غاية الأمر أن هؤلاء الإمامية لم يقفوا عند هذا الحد، بل تجاوزوا إلى القول بأن للقرآن سبعة وسبعين بطناً، ولم يقتصروا على ذلك بل تمادوا وادّعوا أن الله تعالى جعل ظاهر القرآن فى الدعوة إلى التوحيد والنبوة والرسالة، وجعل باطنه فى الدعوة إلى الإمامة والولاية وما يتعلق بهما.
* حرصهم على التوفيق بين ظاهر القرآن وباطنه:
ولقد كان من أثر هذا الرأى فى القرآن، أن اشتد حرص هؤلاء القائلين به على أن يعقدوا صلة بين المعانى الظاهرة والمعانى الباطنة للقرآن، ويعملوا بكل ما فى وسعهم وطاقاتهم على إيجاد مناسبة بينهما حتى يقرِّبوا هذا المبدأ من عقول الناس ويجعلوه أمراً سائغاً مقبولاً. ومن أمثلة هذا التوفيق والربط بين ظاهر القرآن وباطنه قوله تعالى: ﴿مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾، فهم يقرون أن هذا الظاهر مراد الله تعالى، ومراد له مع هذا الظاهر معنى آخر باطنى هو علوم الأئمة عليهم السلام، ويقولون: إن الجامع بين المعنيين هو الانتفاع بكل منهما وبمثل هذا يوفقون بين المعانى الظاهرة والباطنة، حتى لا يكون مستبعداً إرادة الله لمعنى خاص بحسب ما يدل عليه ظاهر اللفظ، وإرادته لمعنى آخر بحسب ما يدل عليه باطن الأمر.
* حملهم الناس على التسليم بما يدّعون من المعانى الباطنة للقرآن:
وكأنِّى بالإمامية الإثنى عشرية بعد أن ربطوا بين ظاهر القرآن وباطنه، وجمعوا بينهما بجامع التناسب والتشابه... كأنِّى بهم يعتقدون أن مثل هذا الربط لا يكفى فى حمل الناس على أن يذهبوا مذهبهم هذا، فحاولوا أن يحملوهم عليه من ناحية العقيدة والإرهاب الدينى، الذى يشبه الإرهاب الكنسى للعامة فى العصور المظلمة، من حمل الناس على ما يوحون به إليهم بعد أن حظروا عليهم إعمال العقل، وحاولوا بينهم وبين حريتهم الفكرية، فقالوا: إنّ الإنسان يجب عليه أن يؤمن بظاهر القرآن وباطنه على السواء، كما يجب عليه أن يؤمن بمحكمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه، ولا بد أن يكون ذلك على سبيل التفصيل إن وصل إليه علم ذلك مفصّلاً عن آل البيت، ويكفى فيه الإجمال إن لم يصل إليه التفصيل. قالوا: ولا يجوز أن ينكر الباطن بحال، وعليه أن يُسلِّم بكل ما وصل إليه من ذلك عن طريق آل البيت وإن لم يفهم معناه، ولو أنّ إنساناً آمن بالظاهر وأنكر الباطن لكفر بذلك، كما لو أنكر الظاهر وآمن بالباطن أو الظاهر والباطن جميعاً


الصفحة التالية
Icon