وكان ربان السفينة الذي أمسك بخيزرانتها ووضع قطب التحقيق والتمحيص نصب عينيه، العلامة سعد الدين التفتازاني ثم أخلافه على طريقته التحقيقية الذين ملكوا قيادة الفكر الإسلامي باسمه خمسة قرون من السيد الشريف الجرجاني، والعصام، وأبي القاسم الليثي، وميرزاجان، والحفيد التفتازاني: أحمد بن محمد بن محمد بن مسعود شيخ الإسلام بهراة، ومن سلك طريقتهم من بعدهم، فارتبط البيضاوي والكشاف بسلسلة الكتب التي كانت تتلاقى حولها أقلام هؤلاء وأفكارهم: مثل الرسالة الشمسية، والمفتاح وتلخيصه، وشرح العضد على مختصر ابن الحاجب الأصلي، والعقائد النسفية، والمواقف.
وكان لهذا الخضم الهائج ببلاد الشرق الأوسط: موجة امتدت إلى آسيا الصغرى وبلاد الروم منذ أواخر القرن التاسع، بسبب ما أحدث قيام السلطة العثمانية من صلات بين الممالك الإسلامية، وما كونت الفتوح العثمانية، في بيئة العلم بالبلاد الأعجمية الإيرانية من تحلق بكرسي آل عثمان المستند إلى قواعد العقيدة السنية، ومناهجها العلمية تعلقاً دفع عن بيئة العلوم السنية ما كان يكبتها ويرهقها ويذلها تحت عروش الشيعة الروافض لا سيما بعد الحروب الطاحنة التي دارت بين الصفويين والعثمانيين بالعراق وبلاد العجم، على عهد الشاه إسماعيل والسلطانين سليم وسليمان، وما تبع ذلك من الفتن الداخلية بين الشيعة والسنيين.