وكان لهذه الجامعة الفكرية الروحية، جناحان يعودان عليها بما في خوافي كل منهما من خصائص، لم تتم لتلك الوحدة مزاجها العجيب إلا بتلاقي تلك الحقائق واكتنائها في قلب الوحدة النابض، ثم فيضانها على هيكل الوحدة بأجمعه.
وما هذان الجناحان إلا البلاد الإفريقية: تونس، والجزائر، والبلاد العراقية: من أعلى مجرى الرافدين إلى مصبهما.
فإن كل واحدة من هاتين الوحدتين الإقليميتين تقع في طرف السلطنة العثمانية: فتونس والجزائر في الطرف الغربي، متصلة بسلطنة المغرب الأقصى، والعراق في الطرف الشرقي متصلة بسلطنة إيران.
وفي كل من هذين الإقليمين المتطرفين بقايا في خصائص الدراسة، وطوابع الثقافة، نشأت لكل من الإقليمين من وضع خاص به، كان يربط بينه وبين أقاليم أخرى تجاوره بالجنب، ثم جاءت صلته بالسلطنة العثمانية انفصالاً له عن تلك الإقاليم التي كان مندمجاً في وحدتها السياسية، ومصطبغاً بخصائصها الثقافية.
فأصبحت تلك البقايا من الخصائص مدداً يمد به كل من الإقليمين دار الخلافة العلية، فيتكيف ذلك المدد هنالك بالوضع الجديد الذي وضعت عليه عناصر الثقافة، ويتلاقى هنالك بما لم يكن تلاقى به من قبل من خصائص أقاليم أخرى، ولا سيما الإقليم الذي يقابله من الطرف الآخر: الإفريقي أو العراقي.