فإذا كانت الواردات الممتدة إلى الآستانة، من البلاد الأفريقية تحمل ما فيها من بقايا المناهج المغربية والأندلسية، وخصائص طريقة ابن عرفة وابن مرزوق وابن ناجي، وما تتأثر بمماسته من ولائد البحث والدراسة في المغرب الأقصى، بما كان يفصله عن السلطة العثمانية من فواصل، ويحفظ له من ميزات تبدو في القرن العاشر، والحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، في آثار الزقاق، والفشتالي، وعبد القادر الفاسي، وبناني، والناودي، فإن الواردات الممتدة إلى الآستانة من البلاد العراقية كانت ضعيفة متقطعة غير غزيرة ولا مسترسلة، بسبب الوضع الذي استمرت العراق تعانيه منذ الهجمة المغولية في أواسط القرن السابع من الخلاء والخراب والفتن الداخلية الماحقة.
إلا أن تلك الواردات العراقية على ما كانت عليه من الضعف الذاتي، فإن لها في نظر العثمانيين أهمية إضافية باعتبار ما تتصل به من أمداد أخرى كانت البيئة العلمية العثمانية حريصة على أن تغترف منها، وباعتبار ما تماسه من أقطار كانت البيئة العلمية العثمانية حريصة على أن تصل بفتوحها إليه، فإن العناصر السنية التي تقطن شمالي العراق، وخاصة من الأكراد، كانت ذات تطلع إلى التعلق بالسيادة العثمانية من شأن العثمانية أن يهتموا بصلته وتقويته وبث روحه في البلاد العراقية كلها.


الصفحة التالية
Icon