كما أن العناصر الشيعية الإمامية التي قوي شأنها عند اندماج الذاتية العراقية في سلطنة شواهين إيران الصفويين، فغذت غذاءً روحياً قوياً معاقلها الثقافية بالمزارات الشيعية في النجف وكربلاء وكاظمية بغداد، قد كان يهم البيئة الثقافية العثمانية، بعد أن انفصلت البلاد العراقية عن سلطنة إيران، واتصلت بسلطنة آل عثمان، أن تأخذ من تلك المعاقل الثقافية الشيعية بعض ما لها من مغذيات ومقومات، فتجعلها مادة للثقافة الحية في قسطنطينية العظمى، وأن تدعم هيكل الثقافة في العراق بما يعطيه قوة الثبات في وجه تلك المعاهد الشيعية ذات النزعة الخطيرة على السيادة العثمانية وروحها الثقافية.
وذلك بإمداد كل عرق من عروق السنة في أرض الرافدين بما يثبته ويمده ويمكنه من نبع غريسته وزكائها.
فاتجهت السيادة العثمانية بالطبع إلى مزارات خلعت عليها من ضخامة التشييد، وأناقة التعمير، ما وسع نطاق إشعاعها بما تنطوي عليه من المعاني السنية المنسجمة مع روح الثقافة العثمانية. وذلك في مثل ضريح الإمام أبي حنيفة، وضريح الشيخ عبد القادر الجيلاني.
وكما أسندت الخلافة العثمانية بسلطانها المناهج السنية في العقيدة والفقه، أسندت تلك المناهج أيضاً في التصوف، فعملت على إشاعة التصوف المتجافي عن الباطنية والشيعية، المتماشية مع ظواهر الشريعة، المقر للعمل والاشتغال الدنيوي وتعاطي أسباب الرزق، واعتنت بإبراز الطرق التي ترجع أسانيدها إلى الخليفة الأول سيدنا أبي بكر الصديق ــ رضي الله عنه ـــ احتياطاً في سد ذريعة استثمار الشيعة للطرق التي يرجع سندها إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ــ رضي الله عنه ــ.


الصفحة التالية
Icon