وكان لهذه الطرق الصوفية السنية، ممتزجة بالعلوم الشرعية، ومقاومة للنزعات الرافضية والباطنية، شان عظيم في إقامة تلك البيئة وإسنادها، يقرب روحها من المدارك العلمية، ويبقي على إثارة من التوجيه الروحاني الذي توغل في نفوس الشعوب الإسلامية شرقاً وغرباً، توغلاً مهد قديماً لانتصار الدعوات الشيعية، فأريد منه في الوضع العثماني الجديد أن يقصر على ذاته، إن لم يكن ممهداً لانتصار الثقافة العثمانية، فلا أقل من أن يكون غير محارب لها، كما كان لاشتهار البيوتات التي قامت على خدمة العلم، أو خدمة الطريقة، أو الجمع بينهما، بالانتماء إلى النسب النبوي الطاهر، شأن عظيم أيضاً في منازعة القوى الدينية المناهضة للسلطنة العثمانية، حمل العثمانيين على مزيد الاهتمام بتلك الأسر الشريفة، والتنويه بمقامها، فكما برز بذلك في الشام آل حمزة وآل عابدين، برز في العراق آل الكيلاني القادريون، ثم آل الآلوسي، ومن بين الأسرتين برز في أوائل القرن الثالث عشر نابغ ذو مقام في العلوم الإسلامية، وذو أثر في تفسير القرآن العظيم، وهو شهاب الدين محمود بن عبد الله الآلوسي.
***
مقام الآلوسي
في العلم والطريقة
نشأ العلامة شهاب الدين أبو الثناء محمود بن عبد الله الآلوسي ببغداد، وقد عرفت الأمن والاستقرار، بعد طول العهد بهما، فتكونت فيها بيئة علمية سنية إلى جنب البيئة العلمية الشيعية، التي كانت قد ازدهرت من قبل، بما وجدت في حمى الحكم الصفوي الإيراني من مقام منعة وجلال.
فنشأت هذه البيئة السنية الجديدة تواجه البيئة المتمكنة في العراق من قبلها، مواجهة قوية عنيفة بما تمكن للبيئة الناشئة من عوامل القوة والحصانة في ظل الحكم التركي العثماني، إذ انتظم فيها المذهب الحنفي مع العقيدة الأشعرية والطريقة الصوفية.