وهنا أشير إلى بحث فقهي أصولي لغوي قُدّم إلى مجمع اللغة العربية في إحدى دوراته الشتوية، تحت عنوان (المصطلح في الفقه المالكي) حيث أنه شد الأنظار إلى حقائقه الدقيقة، إذ أبرز أن رجال القانون الوضعي من أساتذة كليات الحقوق في البلاد العربية قد وجدوا الطريق سهلاً أمامهم في ترجمة مواد القانون حين قرأوا المصطلح الفقهي في كتب المذاهب بعامة والمذهب المالكي بخاصة، وذكر أن مصطلحات الموطأ للإمام مالك بن أنس كانت أول مصادر هذه الترجمات، حيث تداولها المالكيون من بعده، وزادوا عليها كثيراً كثيراً، وكان الباحث موفقاً حين عرض إلى النهج التأليفي في الفقه بين المشرق والمغرب، حيث اعتمد فقهاء المشرق على الاختصار المركز، على حين لجأ فقهاء المغرب إلى البسط الكاشف، وضرب الأمثلة لذلك بما هو معروف من كتب الفريقين، إلى أن قال (١) :
"ومن هنا ندرك كيف استطاع الفقه المالكي عندما أتى عليه دور الاحتكاك بالقوانين الوضعية، والمدارك الحقوقية الأجنبية أن يجد من متانة مصطلحه ما حماه من أن يفسد التعبير الدخيل جوهره النقي، وأن يجد من ثروته ما تفضل به على المعاني القانونية فجاءت أصيلة محكمة خالية من التقعر والالتواء".
وقد كثر التعقيب المادح لهذا البحث بعد الفراغ من إلقائه، ومما قاله (٢) العلامة الأستاذ محمد بهجة الأثري حينئذ: "ولا ريب أن ما تفضل به الأستاذ الجليل محمد الفاضل بن عاشور كان بحثاً انفرد به، إذ لا يستطيع أحد أن يطرقه ما لم يكن متخصصاً فيه، وقد تعمق سيادته في هذا البحث إلى أعمق أغواره فأحسن غاية الإحسان".
والأستاذ الفاضل لم يكن متخصصاً في الفقه المالكي وحده كما أشار الأستاذ الأثري، لأن الفقه أحد مواد ثقافته المتشعبة، ونصيبه منها نصيب التفسير والحديث وعلوم اللغة العربية بفروعها المختلفة، وذلك فضل الله.

(١) ١ البحوث والمحاضرات للدورة الرابعة والثلاثين، ص٩٢.
(٢) ١ المصدر السابق، ص٩٣.


الصفحة التالية
Icon