ومن حسن الحظ أن الشيخ الفاضل قد أملى ترجمة موجزة لحياته المباركة، حيث سأله سائل عن جهاده العلمي مشفوعاً بخطواته العملية في طريق الحياة، فبعد أن حدد تاريخ ميلاده في أكتوبر سنة ١٩٠٩م، قال إنه ابتدأ القراءة وهو ابن ست سنين، فتعلم الهجاء بكتب مصرية، وابتدأ حفظ القرآن الكريم، ثم منذ التاسعة بدأ يحفظ متون الآجرومية والألفية والعاصمية والرسالة. وتعلم اللغة الفرنسية على يد معلمين خصوصيين بالمنزل مع دراسات في مبادئ القراءات والتوحيد والنحو أهلته إلى اجتياز امتحان القبول بالزيتونة، فالتحق بالسنة الثانية مباشرة، واختزل سنوات التعليم حين أكب على دراسة العلوم المقررة من تلقاء نفسه فتقدم لامتحان التطويع ونجح نجاحاً أهله للدراسات العليا بالجامعة، ثم للانتساب إلى كلية الآداب بجامعة الجزائر، فأحرز شهادتها سنة ١٩٣٢م وبذلك انتقل من التعلم إلى التعليم فصار مدرساً.
هذه خطوات الرجل في مرحلة الدراسة، والمشاهد لنتاجه الحافل يدرك أنه لم يكن ليقتصر على المواد الدراسية في الزيتونة وكلية الآداب، بل كان بتوجيه والده الكبير وبهمة نفسه الطامحة يقرأ كل ما يقع تحت يده من آثار النابغين من أعلام العصر، وتلك حقيقة لا شك فيها، لأن إسهامه العلمي بعد تخرجه مباشرة بثقافة حية ذات رصيد فخم، لا يتهيأ لطالب يعكف على الدروس المدرسية فحسب، بل لطالب يرى المدرسة والكلية إحدى الوسائل الثقافية فقط.
وكانت الموسوعية الشاملة التي اتصف بها والده الكبير الشيخ الطاهر موضع احتذائه، إذ امتد بفكره إلى التراث الإسلامي الفسيح ينهل من ينابيعه الكثيرة، فأمده بدسم حافل في معارفه، وليست المسألة مسألة معارف فحسب، فكم من الناس من وعى من المعارف أكثر مما وعى الفاضل، ولكنه لم يتعمق ما قرأ، ولم يقف موقف الناقد فيما يأخذ ويدع.


الصفحة التالية
Icon