والذي يقرأ آثار الفاضل يدرك أنه شغف بأعلام الإسلام في القديم والحديث شغفاً ملك عليه تفكيره، فقد وعى من سيرهم ما دفعه إلى قراءة مؤلفاتهم الكثيرة، وكان يحس بشغف يدفعه إلى مواصلة البحث التاريخي لأنه يجد في سير العلماء والمعاصرين مداداً لكيانه الفكري، وسلوكه الاجتماعي.
وإذا كان نتاجه في التراجم يتجه غالباً إلى علماء المغرب بمعناه المتسع أكثر مما يتجه إلى علماء المشرق، فليس معنى ذلك أنه لم يدرس آثار المشارقة ولم يلم بكنوزهم الحافلة، فإن هذه الآثار تلوح ثمارها الناضجة في نتاجه الفكري، ومفهومه الإصلاحي، ولكنه رأى أن تاريخ المغاربة لم يحظ بالذيوع على الوجه المأمول، وأن عوامل كثيرة حالت دون ذلك، فرأى من واجبه أن يسد الثغرة الواضحة في هذا التاريخ، وجعل يرصد زعماء المغرب منذ الفتح الإسلامي إلى عصره الراهن ليختار من الشخصيات العلمية والسياسية ما يقدم القدوة المماثلة للنشء المبهور بأعلام من الغرب وجدوا الدعاية المتكررة في الصحف والإذاعة حتى كادوا يكونون عند بعض الأغرار كل شئ في دنيا الثقافة المعاصرة، والفاضل قد وعى الكثير من ثقافة الغرب، ودرس الفرنسية دراسة مكنته من الوقوف على المؤلفات في أصولها الغربية لا في ترجماتها العربية وحدها، وقد انتفع بها انتفاعاً ظهر في طريقة تناوله للأبحاث.
وأذكر أن بعض النقاد قد أخذ عليه أنه في تراجم المعاصرين قد عرض كل المحاسن وتناسى ما وجه إلى الشخصيات من بعض النقود وإلى بعض الآثار العلمية من سقطات، وهذا حق، لأن الفاضل أراد أن يقدم للمغاربة نماذج مشرفة تدفع الناشئة إلى الاحتذاء، وهو في ذلك لم يطمس لآلئ الحق حين امتدح، بل ذكر الحيثيات الداعية إلى التقدير، وحال منهجه التربوي دون سرد بعض المآخذ التي لا يخلو منها بشر في سلوكه أو نتاجه العلمي، لأن الكمال لله وحده.