والفرق واضح بين الباحث المعلم والباحث الأكاديمي، فالأول يوقد المشاعر، ويرتفع بالأحاسيس دون جناية على الحقائق، والثاني يقيم الميزان بالحق، وليس الفاضل هو الوحيد في البحث التاريخي، فله زملاء يشاركونه هذا المنحى في البحث، والقارئ سيلم بما كتب الفاضل، وما كتب زملاؤه، فإذا وجد بعض النقص عند كاتب كمله وأتمه عند كاتب آخر.
وأحب أن أقرر حقيقة مهمة هي أن العَلم من أعلام التاريخ لم يصبح علماً يترجم له إلا بما جمع من فضائل علمية أو خلقية أو نضالية، ولولا ذلك ما احتفلت الأقلام برصد خطواته، وتتبع آثاره، فإذا عرفت الصورة العامة في ترجمة له، دون تفصيل في الجزئيات، فقد أخذ مكانه المناسب، والهدم لذات الهدم مما يسقط الهمم ويخمد الجذوات، ونحن نعرف مؤرخاً كالسخاوي في الضوء اللامع قد تتبع الهنات، وتسقط العثرات، فهل حال ذلك دون تقدير من خصهم بالنقد والتجريح، كما نعرف من المؤرخين من بالغ في الثناء، وأطنب في المديح، فهل منع ذلك أن يبحث الدارس في ترجمة أخرى عن نقدات صائبة وجهت لهذا الممدوح الكبير؟!


الصفحة التالية
Icon