وكان من توفيق الشيخ الفاضل أن يجمع في ثقافته بين عدة اجتهادات، فهو من كبار علماء الزيتونة يعرف شيوخها معرفة الدارس الفاحص، ويقرأ الكتب المقررة بها قراءة الخبير المتمرس، فهو من هذه الناحية خير من يؤلف التراجم الصادقة عن العلماء، إذ هم معشره وذووه، كما أنه من ناحية ثانية أديب متمكن يقرأ المأثور من البيان ويحتذيه ويعرف أعلام عصره من المنشئين والمبدعين معرفة الناقد المتابع، ثم هو ينظر إلى سياسة وطنه نظرة الدارس للتيارات الصاخبة في المحيط الداخلي بتونس، والخارجي فيما حول تونس، ويعرف زعماء السياسة معرفة واعية، لأن منهم أصدقاء والده وزائري بيته الكريم، فهو بذلك كله إذا كتب تاريخ الرجال في عصره لم ينحجر قلمه في طبقة معينة كما فعل من اكتفوا بتراجم مبتورة عن العلماء، ولكنه امتد إلى الأفق الفسيح، فعرف أن تاريخ العالم الفقيه لا يغني عن تاريخ الأديب المبدع، كما لا يغني هذا ولا ذاك عن تاريخ السياسي الملابس للأحداث.
ولذلك تحدث عن هؤلاء جميعاً فيما كتبه بمجلات (الثريا) و(المجلة الزيتونية)، ثم جمع بعد ذلك في كتب مستقلة، أوفاها كتاب (تراجم الأعلام)، وقد جمع بعد وفاته تخليداً لذكره، جمعه الأديب المرموق الأستاذ (الحبيب شيبوب)، ولم يشأ أن يذكر في الكتاب تنويهاً بعمله ولكن عارفي فضله أذاعوا ذلك وسجلوه.
وإذا كان التاريخ المعاصر لتونس قد مر بأطوار مختلفة في القرنين الماضي والحاضر، فقد آثر الشيخ الفاضل أن يكتب تاريخ هذا البلد المناضل، من خلال مناضليه، وبين وجهة نظره الصائبة حين قال في مقدمة كتابه (أركان النهضة الأدبية بتونس) (١) :

(١) ١ مقدمة كتاب (أركان النهضة الأدبية بتونس)، ص٣.


الصفحة التالية
Icon