"هذه مقالات توجهت بها إلى مراحل النهضة الفكرية في تونس، وفواصل أطوارها في نهاية القرن الماضي وأوائل القرن الحاضر. معتمداً إظهار كل طور من هذه الأطوار بخصائصه ومقوماته، في حياة علم من أعلام المعرفة أو الفكر أو القلم جعلته بمؤثرات حياته وتأثراتها وظروفها مجلى الاتجاهات العلمية أو الفكرية أو الأدبية التي تميز بها هذا الطور، وأرجو أن أكون قد وفقت إلى تحقيق ما أردت من ذلك فهديت الشاردين ونبهت العارفين إلى نواحي ينبغي إبرازها من تاريخنا الحديث على المنهج الذي رأيت أنه الكفيل بتحرير تاريخنا القومي على وجهه".
وإذا كان هذا الكتاب قد اختص بأعلام النهضة الفكرية أدباً وعلماً فحسب، فإن كتاب (تراجم الأعلام) قد جمع إليهم رجال السياسة لتكتمل أضلاع المثلث دون نقص، وقد عرفت أن بعض الفضلاء من أمثال الأستاذين أحمد بن أبي الضياف ومحمد السنوسي وغيرهما قد كتبوا نبذاً شتى عن بعض الأعلام، لكن صنيع الشيخ الفاضل قد جاوز الإيجاز إلى الإطناب في كثير من المواقف، كما تتضمن تحليلاً كاشفاً يفصح عن الأسباب الداعية، والنتائج المحتومة، وهذا مما تكلف له الكثير من العناء، وقد كرر بعض التراجم في كتابيه هذين، وكأنه رأى أن يضيف الجديد إلى القديم حين عاود الكتابة، أو رأى أن شخصية كخير الدين، وسالم أبي حاجب، ومحمد السنوسي، تحتاج إلى مواصلة البحث ومعاودته، وحسناً فعل، ومما يشدني في هذه التراجم الزاهية افتتاحياتها التي تصور جواً فكرياً خاصاً بالمتحدث عنه، فتلفت القارئ إلى أن شيئاً هاماً سيقال، فهو مثلاً يفتتح حديثه عن الشيخ محمد السنوسي بقوله (١) :

(١) ١ أركان النهضة الأدبية بتونس، ص٤٨.


الصفحة التالية
Icon