"ارتبطت حركة الإصلاح التونسية بحركات الإصلاح الإقليمية التي ظهرت في العالم الإسلامي، حركة مدحت باشا في تركيا، وحركة السيد جمال الدين في الهند وأفغانستان، وحركة رياض باشا في مصر، فلما استبان لنظر القائمين بتلك الحركات أن المشاكل التي تهدف حركات الإصلاحات المحلية إلى حلها إنما تولدت عن أصل عريق يمتد إلى أسباب الانحطاط الإسلامي التي كان جمال الدين أول من كشف عنها في رسالة الرد على الدهريين، استقرت الآراء على أن عللاً نشأت عن أسباب عامة، وتولدت من عوامل عالمية لا تختص بقطر دون قطر من بلاد العالم الإسلامي، فلا يمكن أن تعالج بصفة محلية دون أن تمتد وسائل العلاج إلى المحل المشترك الذي انبعثت منه جراثيم الداء إلى كل عضو من أعضاء الهيكل الإسلامي".
ومضى الفاضل في تحليله ليربط اتجاه المتحدث عنه بهذا المحيط العام، متحدثاً عن أفاعيل السياسة وكيد الاستعمار، ليبرز النتاج الفكري للسنوسي في إطاره الصائب بحيث كان (١) (المثال الكامل لتطور الأدب العربي بتونس، في جميع نواحيه).
ولا أدري لماذا وقفت عند ذكر (مصطفى رياض باشا المصري) مقارناً بجمال الدين ومدحت باشا وهو منهما بمكان بعيد، بل ربما كان على النقيض منهما في كثير من أحواله! لعلها هفوة قلم!
على أن أبرع ما امتاز به قلم الشيخ الفاضل هو هذه الموازنات بين المتحدث عنهم، فهو يقرن فاضلاً بفاضل من هؤلاء ليبرز كيف اختلف الاتجاه مع صدق العمل، وتزيد هذه المقارنة قوة واكتمالاً حين تكون بين صديقين حميمين يتفقان في الود وصدق العمل، ويختلفان في الاتجاه، فهو مثلاً يقارن بين الشيخ أحمد الورتاني والشيخ سالم بو حاجب، فيقول عن الورتاني (٢) :

(١) ٢ أركان النهضة الأدبية، ص٣١....
(٢) ٣ تراجم الأعلام، ص٦٣.


الصفحة التالية
Icon