فكانت تلك الثغرة هي التي تلفت نظر من يريد أن يبدي في تفسير القرآن شيئاً جديداً ذا بال كما أراد الآلوسي لا سيما وأن الأذواق، في ذلك العصر، قد كانت متشربة روح المناهج الصوفية، والأفكار العلمية كانت قد تقبلت شيئاً كثيراً من منازع الصوفية وأنظارهم، فراقت بذلك التفاسير المشتملة على المحامل الباطنية والمنازع الذوقية بما جعل تفاسير الصنف الثاني، وهي التفاسير الشيعية، والصنف الثالث وهي التفاسير الصوفية تجد لها من كيفيات النفوس والأفكار مساغاً لا تجده تفاسير الصنف الأول، وهي التفاسير العلمية السنية، على ما فيها من صعوبة تحول بين الناس وبين مطالعتها بغير دراسة وجهد.
ابتدأ الآلوسي تفسيره في أخريات أيام السلطان محمود ناشطاً في ذلك بما كان يحوطه من عناية السلطان، فجعل ما أنجزه من ذلك هدية للسلطان، وقدم إليه فعلاً نسخة لما أتم تبييضه، وقد حكى الآلوسي عن نفسه أنه لما توفى السلطان محمود انقطع عن تأليف التفسير استشعاراً لانقطاع عوامل التنشيط والتأييد حتى تبين له أن السلطان عبد المجيد قد خلف من سلف، واعتذر به الدهر عما اقترف، عاود التفسير، ورجع إلى إكماله.


الصفحة التالية
Icon