فإذا تركت حديث المعاصرين إلى الغابرين في نتاج الشيخ الفاضل، فإننا نجد وقته المتوزع بين أعمال شتى من تدريس وفتيا وقضاء ورحلة وعضوية في المجامع المختلفة، قد حال دون أمنية كبيرة لديه هي أن يؤرخ للثقافة الإسلامية في المغرب جميعه منذ أشرق نور الإسلام حتى اليوم، وهو جهد لابد أن يفرغ له متخصصون لا متخصص واحد، ومن للفاضل ــ على سعة مقدرته ــ بالوقت الذي يسمح له أن يكتب موسوعة تسير على منهجه في الغوص والاستشفاف والشمول، إخاله فكر في ذلك فرأى الأمر مع تعدد صولاته لا يتفق له في مجتمعه الذي يشهده كل يوم أستاذاً وخطيباً ومحاضراً، فانتهى في تاريخ السابقين إلى ما انتهى إليه في تاريخ العصر الحديث وهو أن يختار من كل حقبة ماضية علماً يمثلها، ولست أرجم بالغيب في ذلك، بل إني أرجع إلى ما نص عليه في مقدمة كتابه (أعلام الفكر الإسلامي في تاريخ المغرب العربي) حيث قال:
"ومن هنا أصبحت معرفة علماء الدين والوقوف على تراجمهم وتبين أفكارهم وآثارهم، أمراً لا يستطيع أن يتجاوزه من يدرس عصور التاريخ الإسلامي، فهم الذين تنبع منهم الأفكار الموجهة إلى تحصيل مدارك الدين نظرياً وعملياً على الصور التي يلقونها إلى الشعوب".
ثم قال: "ولقد حاولنا في المقالات الخمس عشرة التي نقدمها في هذا السفر الصغير إبراز خمس عشرة حقبة من حقب التاريخ، مجلوة كل حقبة منها في المنبع الفكري الديني الذي يعتبر مصدرها وموردها".


الصفحة التالية
Icon