ومن هنا تتالت فصول الكتاب متحدثة عن عقبة بن نافع، والفقهاء العشرة، وأهل الرباط، وعلي بن زياد، وأبي عثمان الحداد، وابن أبي زيد القيرواني، وأبي الوليد الباجي، والقاضي عياض، وابن عرفة، وأبي إسحاق الشاطبي، والمقري الكبير، وأبي بكر بن عاصم، وابن مرزوق، وابن ناجي، وفي هؤلاء من ذاعت شهرته وكتبت عنه البحوث بإفاضة كالقاضي عياض، وأبي إسحاق الشاطبي، وأبي الوليد الباجي، ومن لا تزال جهوده العلمية في حاجة إلى بسط، أما عقبة بن نافع فقد ابتدئ به لأنه قائد النور المشرق على هذه البلاد، وإذا كان قد حمل الإسلام إلى أفريقية فقد حمل النصر والهداية معاً.
وإذا كنت ذا إلمام بسيرة أكثر هؤلاء، فإني لم أكن أعلم شيئاً عن القاضي أبي القاسم ابن ناجي وقد تحدث عنه الفاضل في بضع صفحات حديثاً يمس الخصائص الفقهية التي برزت في نتاجه العلمي، وقد بدأ الكلام كعادته بمقدمة جامعة عن البيئة التي أنجبت ابن ناجي، فتحدث عن مأساة القيروان حين داهمتها سلائل الهلاليين فأحالوها إلى أنقاض، ولكن رحمة الله أنقذت جامعها الأعظم، جامع عقبة، ليظل منارة للضوء عبادة وعلماً، ومن هذا الجامع بزغ النور من جديد، فأنجب كوكبة من الفقهاء والقضاة على رأسهم أبو القاسم ابن ناجي، وقد تابع الفاضل أدوار حياته في إيجاز يعمد إلى توضيح الخطوط الأصلية ذات اللون الفاعل في نسيجه العلمي، حيث مارس القضاء والفتوى ليجد من ظروف المجتمع ما يدفعه إلى النظر في قضايا كثيرة تعتمد على الفقه المالكي وهي في حاجة إلى توجيه جديد، يقول الفاضل (١) :

(١) ١ أعلام الفكر الإسلامي، ص١٠٥.


الصفحة التالية
Icon