لقد قرأت بعض ما قيل عن الشيخ الفاضل بعد رحيله، وأكثره يتجه وجهة الإنصاف لعالم مثقف مجاهد، ولكن بعض المتحدثين ذهب إلى أن روح المحاضرة تغلب على آثاره العلمية، وعد ذلك موضع نقد! وأنا أقول لهذا الناقد الفاضل: أليست الدروس العلمية في جامعات الشرق والغرب كلها محاضرات؟ وهل تبتعد المحاضرة عن العلم، وهي تقرب مسائله، وتوضح أبوابه، وتفصل قضاياه! قد يكون الروح الأدبي في أسلوب الفاضل مدعاة نقد متعسف لدى من لا يعرفون كيف يكتبون، ويسوؤهم أن يعترفوا بذلك فيتجهون إلى نقد من يعرفون، وهم يتمنون في قرارة أنفسهم أن يرزقهم الله بعض ما فتح به على هؤلاء النابهين الفصحاء! ولكن الله يختص بفضله من يشاء!
ولا يجوز لي أن أقصر الحديث على الناحية العلمية للشيخ، وأترك القول عن جهاده الملح الدائب في إصلاح التعلم الديني بتونس خاصة وبالمغرب العربي عامة، فقد بذل في ذلك الجهود رحلة وكتابة ومحاضرة ما أثمر خير الثمر، منذ شبابه الغض، حين أسهم في مؤتمر طلبة شمال أفريقية المنعقد بقاعة الخلدونية سنة ١٩٣١م، وكان عمره لا يزيد عن الثانية والعشرين، وقد انتخب عضواً في لجنة التعليم العربي، وألقى بحثاً شافياً عن الوضع العلمي السائد في الشمال الإفريقي، وانتقد طريقة المتون والشروح والحواشي والتقارير السائدة لدى بعض المعاهد العلمية إذ ذاك، داعياً إلى نهج طريق في التأليف والتدريس، وهي دعوة الشيخ محمد عبده من قبل في مصر.