وأما السبب الثاني: فهو أن دلالات القرآن الأصلية، التي هي واضحة بوضوح ما يقتضيه من الألفاظ والتراكيب، تتبعها معان تكون دلالة التراكيب عليها محل إجمال أو محل إبهام، إذ يكون التركيب صالحاً على الترديد لمعان متباينة يتصور فيها معناه الأصلي ولا يتبين المراد منها، كأن يقع التعبير عن ذات بإحدى صفاتها، أو يكنى عن حقيقة بإحدى خواصها، أو أحد لوازمها، على الطرائق البيانية المعهودة في اللغة العربية وغيرها، فينشأ عن ذلك إجمال، فيطلب بياناً، أو إبهام يتطلب تعييناً كما يقع ذلك في الكلام بصفة عامة، ولما كان الذين اتصلوا أولاً بتلك المجملات أو المبهمات أو المطلقات قد رجعوا إلى المبلّغ ـــ ﷺ ــ في طلب بيانها أو تعيينها أو تقييدها فتلقوا عندما أفادهم فاطلعوا بأن الذين أتوا بعدهم احتاجوا إلى معرفة تلك الأمور المأثورة عن النبي ـــ ﷺ ــ لتتضح لهم تلك المعاني كما اتضحت لمن قبلهم، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالخبر المأثور ممن ليس إلا عنده العلم المعصوم الذي يوضح ذلك وهو النبي ــ ﷺ ــ فتكون بذلك عنصر ثان من عناصر التفسير هو وإن كان أقل عدد مواقع من العنصر الأول لأنه يختص بأمور معينة محصورة، ولا يعم جميع أجزاء القرآن إلا أنه أكثر تأكداً من العنصر الأول لأن العنصر الأول يعين على فهم لم يكن متوقفاً عليه، وأما هذا العنصر الثاني فإن تحقيق محامل الألفاظ على المقاصد التابعة لمعاني الكلام الأصلية يتوقف عليه توقفاً مطلقاً.
وعلى ما بين هذين العنصرين الأثريين من عناصر التفسير من تفاوت واختلاف فإنهما قد اتحدا في تكوين مادة مشتركة يعتمد عليها في تفسير القرآن، هي مادة نقلية إخبارية تستوي عامة عناصرها في الاندراج تحت عنوان جامع هو: التفسير بالمأثور.
***
التفسير بالمأثور


الصفحة التالية
Icon