توفرت الدواعي على تطلب الأخبار الراجعة إلى التفسير المأثور في العصر النبوي، وزادت توفراً في عصر الصحابة بعد وفاة النبي ــ ﷺ ــ. وكان ذلك أولاً مندرجاً ضمن الأخبار التي يتناقلها الصحابة بعضهم لبعض ؛ على ما وردت به الوصايا الكريمة من قوله ــ ﷺ ــ :(ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب). وقوله: (احفظوه وأخبروه من ورائكم). وقوله: (نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما وعاها).
فلما جاء العصر الثاني خضعت النقول المتعلقة بالأخبار التفسيرية للناموس العام للأحاديث والأخبار النبوية: من احتمال الاختلاف والخلط، والمجازفة والوضع ؛ أو الثبات، والإتقان، والتحري، والتصحيح، فشملته قواعد النقد التي وضعت للأخبار بصفة عامة، وترتبت في منازل المحدثين، وتعين المتهمون بالوضع والموسومون بالضعف وتمحصت الأحاديث بتأييد بعضها ببعض، ورد بعضها لبعض وطرحت الأحاديث الضعيفة والروايات المنكرة، للصحيح المشهور، الذي نقله الثقات المعروفون بالصدق والأمانة.
وتحت ذلك التيار الباهر، من أنوار النقد والتمحيص، برزت الوجوه المنضرة النيرة التي تحققت فيها الدعوة النبوية: وجوه الممتازين بإتقان الرواية وضبط الأخبار، وتصحيح الأحاديث، فأصبحوا مرجوعاً إليهم في طلب المعارف التفسيرية مشاراً إليهم بذلك، يتواصى بهم الطالبون، وتضرب إليهم أكباد الإبل في طلب العلم.
فكما عرف رجال بصدق الحديث وإتقانه في عامة السنن والسير، وعرف رجال بالاجتهاد والفقه، فرُجع إلى هؤلاء وهؤلاء فيما تميزوا بإتقانه من أمر الأثر، أو من أمر النظر، فقد امتاز رجال آخرون بأنهم أثبات الأخبار، وحجج الآثار، في تلك الشعبة المستقلة من الحديث، الممتازة بغاياتها المرتبطة بفهم القرآن، وهي شعبة الأخبار التفسيرية أو التفسير بالمأثور، في ما يرجع إلى فرعي أسباب النزول ومبهمات القرآن.


الصفحة التالية
Icon