ومن الظاهر أن هذين العنصرين، وإن وجدا في بعض كلام ابن عباس، لا يصح اعتبارهما من التفسير بالمأثور، لأن مرجعهما إلى الفهم وإلى المعرفة العامة مما يجوز أن يكون محل خلاف مقبول من طرف من يفهم فهماً غير الفهم الذي ارتضاه ابن عباس، اعتماداً على شاهد غير الذي اعتمد عليه، أو جنوحاً إلى تخريج للتركيب على غير ما خرجه عليه ؛ أو يكون محل خلاف معتبر أيضاً من طرف من عنده معرفة أمر من التواريخ أو أخبار الكتب السماوية القديمة يختلف عما عند ابن عباس، ويمكن توسيع المفاد القرآني به على خلاف ما رأى ابن عباس في توسيع المفاد القرآني بما لديه من المعرفة، ومن هنالك بدأ التفسير بالمأثور، يختلف بلون آخر من التفسير: يقبل اختلاف الأفهام، واختلاف التقادير، واختلاف الاجتهاد في استنباط المعنى، تبعاً لاختلاف ما يرجع إليه الاستنباط: من فهم لغوي، أو معرفة تاريخية لم تؤثر في السنة النبوية.
وكما كان التفسير بالمأثور يرد هذا المورد الممزوج بغير المأثور عند ابن عباس، كان يرد كذلك عند غيره من الصحابة المختصين بالتفسير، وقد تفرقوا بين المدينة والكوفة والبصرة والشام، فاستقر كل واحد أو جماعة منهم في واحد من هذه المراكز كما استقر ابن عباس في مكة.
ولكن المنقول من ذلك عن ابن عباس كان أوسع دائرة، وأتم رواجاً، بسبب ما امتاز به ابن عباس من الاعتبارات التي أسلفناها.
وقد تكون بين يدي ابن عباس في مكة، وتخرج عليه، رجال من التابعين اختصوا برواية التفسير عن ابن عباس، كان نظر علماء الحديث إليهم، كنظرهم إلى غيرهم من المحدثين ورواة الأخبار، مختلف التقدير.