فلما تحضرت الأمصار، وتفننت الحضارة، تغيرت الملكات وقصرت السلائق ودخلت اللغة في دور الملكة الصناعية التي تُستفاد بالتعليم، وتستند إلى القوانين والقواعد، منذ ظهر علم النحو بالبصرة منتصف القرن الأول، إلى أن ازدهر بالبصرة أيضاً ووضعت فيه هناك التآليف، أول عصر التدوين، في أوائل القرن الثاني، فكان النحو في وضعه المفنن المقعد مادة ضرورية للتفسير يعتمد عليه في تحليل التركيب القرآني، وبيان مواقع المفردات بعضها من بعض، وما استقر فيها من روابط الإعراب.
فلجأ المفسرون في القرن الثاني، إلى آثار البصريين الأولين، من عيسى بن عمر، والخليل ابن أحمد، ويونس بن حبيب، واستفادوا منها ما مهد لهم طريق الإعراب عن أوجه التراكيب ومكن لهم من ضبط مواقع الألفاظ بقوانين الإعراب، ليدققوا المعنى المستفاد من خلال التركيب، ومواقع مفرداته.
فكان ذلك عنصراً ثانياً أدخلوه على ما انتهى إليهم من أخبار التفسير بالمأثور التي دونت في القرن الأول.
وذلك هو الذي قوى من سواعدهم ليقتلعوا شيئاً كثيراً مما علق بالتفسير بالمأثور من آثار الأخبار الواهية، أو الدعاوي التي لا بينات لها، فوضعوا الأيدي على مكان الزوائد التي يتوهم الناس أنها مأخوذة من القرآن وليس في القرآن ما يقتضيها، ولا ما يقتضي خلافها، في إيضاح مبهماته.