وأن الذي ينظر نظر المقارنة بين تفسير الطبري والتفاسير التي جاءت بعده: من ابن عطية والزمخشري إلى الفخر الرازي والبيضاوي إلى الذين ساروا على خطاهم، واغترفوا من بحارهم: من ابن عرفة إلى أبي السعود، أو الذين تحرروا عن اتباعهم، متوخين الابتكار في الأسلوب، والاستقلال في الفهم من ابن تيمية وابن القيم، إلى محمد عبده ورشيد رضا، ليجد من وحدة الأساليب وتقارب الطرائق على مر تلك الألف سنة وزيادة بين الطبري والذين جاءوا من بعده، ما لا يوجد في أي من الفنون، بين أوضاع القرن الثالث وأوضاع القرون المتعاقبة من السادس إلى الرابع عشر، فلو أخذنا كتاباً من كتب النحو في القرن الثالث، مثل كتب المبرد وثعلب أو من كتب الفقه في القرن الثالث أيضاً، مثل كتب الخصاف وابن المواز وابن سريج، وقارناها إلى كتاب من الكتب المتداولة في النحو أو الفقه مما ألف في القرن السابع مثل كتب ابن مالك أو كتب النسفي وابن الحاجب والنووي بل ما ألف بعد ذلك من مثل كتب الصبان والحصكفي والدردير، لأنتجت تلك المقارنة: أن بين الكتابين القديم والحديث اختلافاً في الطريقة واللغة والبيان، يتنكر به كل منهما لصاحبه، وبخلاف ذلك نجد عندما نقارن بين تفسير الطبري وواحد من التفاسير المتداولة التي ذكرناها تقارباً يتضح به ما بين هذا وذاك من نسب قريب.