وبهذه الطريقة أصبح تفسير ابن جرير الطبري تفسيراً علمياً يغلب فيه جانب الأنظار، غلبة واضحة، على جانب الآثار، حتى أنه لو اقتُصر فيه على مجرد عزو الأقوال المتخالفة لأربابها، وجُرد عن طويل الأسانيد ومكررها لبقي وافياً تمام الوفاء بما يقصد له من كشف عن دقائق المعاني القرآنية وما يستخرج منها من الحِكم والأحكام، على اختلاف المذاهب والآراء، وما يتصل بها من استعمالات اللغة ومسائل العربية، ولازداد شبيهه بالتفاسير العلمية التي جاءت من بعد قوة ووضوحاً، فلذلك يصح أن تعتبره تحولاً في منهج التفسير ذا أثر بعيد، قطع به التفسير ما كان يربطه إلى علم الحديث من تبعية ملتزمة بل إنه جعل العنصر الذي كان علم الحديث يسيطر به على التفسير أقل عناصر التفسير أهمية وذلك هو عنصر تفسير المبهمات ومعرفة أسباب النزول، وجعل العنصر الذي لا غنى للتفسير فيه عن النقل، وهو عنصر بيان الأحكام معتمداً على فتاوى الفقهاء معتضداً بمعاقد الإجماع.