وإن الذين يعتبرون تفسير الطبري تفسيراً أثرياً، أو من صنف التفسير بالمأثور، إنما يقتصرون على النظر إلى ظاهره بما فيه من كثرة الحديث والإسناد، ولا يتدبرون في طريقته وغايته التي يصرح بها من إيراد تلك الأسانيد المصنفة المرتبة الممحصة. والعجب كل العجب من ابن خلدون حين راجت عليه هذه الشبهة، فعده من مدوني الآثار المنقولة مثل الواقدي والثعالبي، وقد يرجع السبب في ذلك إلى أن تفسير الطبري، كان منذ قرون، مفقوداً أو في حكم المفقود، حتى أن صاحب كشف الظنون لم يقف عليه، إلى أن طلعت على الناس منذ نحو من ستين سنة طبعته الأولى، ففتح للمعارف التفسيري كنز نفيس، من التراث الخالد، ثم علا قدره، وغلت قيمته، بالإبراز العلمي المتقن الذي طلع به حديثاً من بيت العلم والفضل إذ تعاون على إخراجه العالمان الجليلان الأخوان الكريمان ابنا الشيخ محمد شاكر وهما الأديب الضليع والعالم الورع الشيخ محمود والفقيه القاضي المحدث الثبت الشيخ أحمد ــ رحمه الله ــ فجاء في حسن عرضه، ودقة ضبطه، وترتيب مفاصله، وتحقيق معانيه، وتخريج أحاديثه واستيعاب فهارسه آية للسائلين.
*****
من البخاري
إلى المعتزلة