فقد كثرت وكثرت أسباب الانتحال والوضع في التفسير، وشاع التساهل فيه أي شيوع، فاعتبر كل مذكور مأثوراً حتى أصبحوا يتخذوا من أسمار القصاصين، وأخبار اليهود والنصارى، وتواريخ العجم، ما يحدثون به على أنه تفسير للقرآن بالأثر، فاستخف الناس بتلك الأخبار وزيفوها، واستخفوا تبعاً لذلك بهذا المنهج من التفسير وأعرضوا عنه، وعند ذلك تحرك أهل الغيرة على الرواية لتطهير تفسيرهم من تلك الأوضار، وابتدأوا برده إلى علم الحديث وربطه به ربطاً محكماً خضع به إلى كل ما سلط على علم الحديث من مقياس للنقد، وقاعدة للتمحيص ليروا بذلك أنه إذا كان التفسير بالأثر تعرض إلى استخفاف وازدراء، فليس الذنب في ذلك إلا ذنب الذين تعاطوه من غير بينة وتلقوا رائجه بدون استعداد لتمييز صحيحه من سقيمه.
وإن إتقان صناعة الحديث والتبرز في إسنادها هما الكفيلان بإيقاف المتلقنين للتفسير على ما هو صحيح منه، وليس في وسع المفسر أن يرده، ولا أن يعدل عنه، وما هو سقيم ما كان ينبغي اعتباره ولا الالتفات إليه، فضلاً عن التقيد به والبناء عليه والتزامه.
وليرجع هؤلاء المحدثون إلى التفسير بالمأثور حرمته، وليتوجهوا، إلى الطريقة العلمية الجديدة التي انصرف الناس إليها عن التفسير بالمأثور، يكشفون ما اشتملت عليه من عيب، ويشهرون بما انطوت عليه من نقص واختلاف، فعمدوا إلى الأخبار الصحيحة التي لا خدش في أسانيدها، وتتبعوا بها مواقع التفسير العلمي، أو التفسير بالرأي، حيثما وجدوا اختلافاً عن تلك الأحاديث، أو نَبوة أحصوها وأذاعوها وعيروا أهلها بمصادقة صحيح الآثار، واستعمال الرأي في ما لا مجال له فيه من قواطع الدين كما فعل أهل الأثر من الفقهاء بمقالات أهل الرأي منهم، لما خالفت الثابت المروي، فِعل الإمام محمد بن إدريس الشافعي بأهل العراق وأهل الحجاز في كتابه الذي سماه (اختلاف الحديث).