فعلى هذه الهبة السنية أشرق فجر التفسير في مستهل القرن السادس خطاً نورانياً رفعه عالياً في أفق الفكر الإسلامي الزمخشري وابن عطية.
*****
من عبد القاهر
إلى الزمخشري
وابن عطية
منذ بدأ أهل السنة يجاذبون المعتزلة أعنة البحث والنظر، ويداولونهم ميادين الكلام والتأويل، في أوائل القرن الرابع، بدأ سلطان المعتزلة على التفسير العلمي يتضعضع، ونفوذهم على مسالك التأويل يتقلص.
وزاد ذلك السلطان تضعضعاً، وذلك النفوذ تقلصاً، بانتزاع أهل السنة زمام فن آخر ما يتصل بتفسير القرآن، من جهة ثانية، اتصالاً قد يكون أوثق من اتصال علم الكلام به من الجهة الأولى ونعني بهذا العلم: علم البلاغة.
فإنه لم يكد لواء النبوغ في تقرير نكت البلاغة القرآنية يعقد على مجالس الشريف المرتضى المتوفى سنة ٤٣٦هـ حتى أنجم في أفق أهل السنة فتى شافعي أشعري، من عباقرة علماء العربية هو عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني المتوفى سنة ٤٧١هـ، تمرس بكتب أبي علي الفارسي، وتخرج على طريقته في النحو، فألف شرحين على كتاب الإيضاح لأبي علي الفارسي، وألف كتاب " العوامل المائة " في النحو، ثم التفت إلى ما وراء النحو: من أسرار العربية المتجلية في تأليف الجمل على اعتبارات خصوصية، تتفاوت في الحسن والقبول بحسب ما تزيد أو تنقص من الوفاء بمتممات المعاني، بعد اشتراكها في الوفاء بأصولها. وذلك ما كان الأدباء مستغرقين في التنويه به واستقصاء مُثُله من لدن عبد الله بن المقفع إلى بشر بن المعتمر إلى سهل بن محمد السجستاني، ثم إلى الجاحظ وابن المعتز، فكانوا غير مستقرين على تمييز هذا الفن باسم قار مصطلح عليه يعنون على ماهيته بدقة، فربما سماه بعضهم "البيان" وسماه آخرون "البديع" وسمته طائفة ثالثة "صناعة الشعر" و"صناعة الكتابة" وكثيراً ما تواردوا، قصداً أو عرضاً على تسميته "بلاغة".


الصفحة التالية
Icon