واتصلت بهذا الفن، على ما هو عليه من نقص في وضوح الجوهر، نظرية إعجاز القرأن، فقد استقرت عند المعتزلة من القرن الثالث على أنها أمر إيجابي يرجع إلى ناحية من رقعة فن التعبير فيه، فجعلها الجاحظ في الإيجاز، وجعلها الواسطي في النظم وجعلها الرماني في البديع، وأصبحت بذلك مسائل البلاغة من آلات الكشف عن نظرية إعجاز القرآن، فافتتن في استعمالها المتكلمون الأولون: وهم المعتزلة، حتى إذا استقر الكلام السني على قواعد العقيدة الأشعرية في النصف الثاني من القرن الرابع، عدل سريعاً إلى تقرير نظرية الإعجاز على نحو ما كان يقررها عليه المعتزلة، مستعملاً الآلات التي سبق أن استعملها المعتزلة في ذلك، فكان الذي ربط بين فن البلاغة وبين نظرية الإعجاز." إعجاز القرآن " ولكنه لم يتمكن من ضبط جوهر البلاغة ضبطاً يخرجها عن المجال النقدي الذوقي، إلى المجال العلمي المنهجي وإن أشاد بما بين البلاغة على ما يدركه الناس من معناها، وبين إعجاز القرآن من ارتباط محكم يجعل البلاغة مرجع الوجه الثالث من أوجه الإعجاز عنده وهو أهمها.
وتلك الثلاثة هي: الإعجاز الغيبي، والإعجاز العلمي، والإعجاز البلاغي، وقد حاول القاضي أبو بكر الباقلاني، على ذلك، أن يفصل ما أجمله العلماء في إعجاز القرآن ببلاغته، فحدد الأقسام، ووسع دائرة النظر، ودار ولف بين فنون الكلام وأساليبه، وقارن الآيات بالفقر والأبيات، ولكنه لم يستطع أن يفصح عن معنى البلاغة وحقائق أبوابها، بما يوضح المنهج لإدراك إعجاز القرآن من جهتها.