فجاء عبد القاهر الجرجاني يتم ما وقف عنده أبو بكر الباقلاني وأخرج عبد القاهر لذلك كتابه العجيب: " دلائل الإعجاز "، بين فيه جهات الحسن البلاغي وعلله، ويضبطها في قوالب محكمة من التعبير، فجاء عمله عملاً أساسياً منهجياً، كشف به عن معنى الإعجاز البلاغي بصورة مبدئية نظرية تسمو على تتبع الجزئيات، وترديد المقارنات والموازنات.
وقد أفصح عن مزية عمله هذا أي إفصاح حين قال في الفصل الأول من كتابه: "لم أزل منذ خدمت العلم أنظر في ما قاله العلماء في معنى الفصاحة والبلاغة، والبيان والبراعة، وفي بيان المغزى من هذه العبارات وتفسير المراد بها، فأجد بعض ذلك كالرمز والإيحاء، والإشارة في خفاء، وبعضه كالتنبيه على مكان الخبئ ليطلب، وموضوع الدفين ليبحث عنه فيخرج" ثم قال:
"وجملة ما أردت أن أبينه لك أنه لابد لكل كلام تستحسنه، ولفظ تستجيده، من أن يكون لاستحسانك ذلك جهة معلومة، وعلة معقولة، وأن يكون لنا إلى العبارة عن ذلك سبيل، وعلى صحة ما ادعيناه من ذلك دليل".
وقد أتى في كتابه فصلاً من بيان المعاني وضبط مراجع اختلاف طرق التعبير عنها وبيان الصورة البلاغية في إفادة المعنى بالتركيب ما قوم به هيكل فن المعاني، وجعل كتابه كما أراده من اسمه "دلائل" على أوجه الإعجاز، يهتدي بها الناظر، لا استقصاء، لما يمكن استقصاؤه من أوجه الإعجاز بالتفصيل.