فانفتح بهذا الوضع الجليل باب كان مغلقاً في أوجه متعاطي التفسير، وهو بيان الوجه البلاغي المعجز من كل تركيب قرآني، وجعل ذلك الوجه ملاك المعنى المستفاد من التركيب، بحيث إن احتمالات المعاني تتفاوت قوة وضعفاً على نسبة ما تتلاقى مع السر البلاغي المتمثل في التركيب، أو تتجافى عنه، وذلك ما نادى به الشيخ عبد القاهر بنفسه حيث قال: "وهو باب من العلم إذا أنت فتحته اطلعت منه على فوائد جليلة، ومعانٍ شريفة، ورأيت له أثراً في الدين عظيماً، وفائدة جسيمة ووجدته سبباً إلى حسم كثير من الفساد فيما يعود إلى التنزيل، وإصلاح أنواع من الخلل فيما يتعلق بالتأويل.. ويربأ بك عن أن تكون عالماً في ظاهر مقلد، ومستبيناً في صورة شاك".
تزاحم على ولوج هذا الباب الذي فتح في النصف الثاني من القرن الخامس جوادان سابقان من جياد حلبة التفسير العلمي: أحدهما من شرقي آسيا، والآخر من غربي أوروبا، تعاصرا وسارا في ذلك الطريق فرسي رهان، هما: العلامة أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، والإمام والقاضي أبو محمد عبد الحق بن عطية الغرناطي الأندلسي.
ولد الزمخشري سنة ٤٦٧هـ أي في حياة الشيخ عبد القاهر وعلى مقربة من وطنه وتوفى سنة ٥٣٨هـ.
وولد عبد الحق بن عطية سنة ٤٨١هـ وتوفى سنة ٥٤٢هـ على ما حققه ابن بشكوال.
فكانا متعاصرين، يفرق بينهما في الولادة أربعة عشر عاماً يكبر بها الزمخشري ابن عطية، ويفرق بينهما في الوفاة أربع سنين فقط، سبق بها الزمخشري أيضاً، وكان أطول عمراً من صاحبه.