فأصبح كتابه عمدة الناس على اختلافهم: بين مشايع له، ومخالف، وعلى وفرة مخالفيه، وانقطاع مشايعيه، يرجعون إليه على أنه نسيج وحده في طريقته البلاغية الإعجازية، وفي غوصه على دقائق المعاني وحسن إبرازه على طريقة علمية سائغة بتحليل التركيب وإبراز خصائصه واعتباراته.
على ما يكثر صاحب الكشاف من عنف على مخالفيه وما يتناولهم به خصوصاً أهل السنة والجماعة. من قدح، وشتم، وسب، وتجهيل، فإن ما جبل عليه أهل السنة، وقامت عليه طريقتهم العلمية: من الإنصاف، قد حملهم على الإغضاء عن تلك الهفوات المخجلة، والعورات الفاضحة، فإنهم أقبلوا على دراسته وشرحه، وبنوا عليه عامة بحوثهم في القرآن، لا يخلو تفسير أو تأليف في موضوع قرآني من رجوع إليه، واعتماد عليه. فابتدأوا أولاً بإعمال معيار الإنصاف، حيث كتب العلامة المصري: ناصر الدين ابن المنير المالكي الإسكندري كتابه: " الانتصاف " فبين ما في الكشاف من دعاوى اعتقادية، وما سلك في سبيلها من تخريج الكلام تعسفاً أو التزاماً لما لا يلزم.
ودخل تفسير الكشاف مباشرة في صميم أصول الثقافة الإسلامية الأشعرية، وعلا نجمه في القرن الثامن، بإقبال أعلام من المدرسة الأعجمية الأشعرية مثل: شرف الدين الطيبي، والقطب الشيرازي، وسعد الدين التفتازاني، عليه، فأصبح من يومئذ ركناً ركيناً في هيكل التخرج الإسلامي.
وهكذا انقرض المذهب الاعتزالي، واندرج الزمخشري وأهل فرقته في البائدين، واحتل الكتاب مكانه الذي هو أهل له مشاعاً بين أهل القرآن، فكان، في خلود جوهره وزوال عوارضه كما قال الله تعالى:
﴿ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ﴾ (الرعد : ١٧)
*****
بين الزمخشري
وابن عطية