كان تخرجه في أول أمره بعلوم الحكمة اليونانية، ثم ضم إليها علوم الكلام، والأصول، والفقه على مذهب الشافعي، وعلوم العربية، فأصبح علماً مفرداً في الجمع والمزج بين الفنون، وسهولة هضم بعضها ببعض، وبذلك علت سمعته وعظم صيته وتمكن من سلوك طريقة في التأليف والبحث والعرض، انفرد بها، وأفاد منها كل فن من خصائص الفن الآخر، فأصبحت طريقته المنهج الثقافي التعليمي الذي عم أقطار الإسلام، وسرى في لغات الثقافة الإسلامية كلها، على توالي العصور. ومن هنالك أصبح معروفاً بلقب (الإمام) إذا أطلق عند المتكلمين والأصوليين انصرف إليه.
وعلى تلك الطريقة البديعة صدرت كتبه الكثيرة الجليلة المفننة في التفسير، والكلام، والأصول، والفقه، والنحو، والأدب، والفلسفة، والطب، والهندسة، والفلك.
فكان بدروسه ومواعظه، ومناظراته، وكتبه مظهراً لرقي الثقافة الإسلامية ومتانة أسسها، وحجة قاطعة على انتصار المبادئ الإسلامية في كل ناحية من نواحي المعرفة، اعتز الناس في حياته شرقاً وغرباً بعجيب عبقريته وشدت إليه الرحلة، وتفنن في مديحه الشعراء، واختص من بينهم بذلك شاعر الشام والرحالة شرف الدين بن عنين، وقد كان من تلاميذه بمدرسة خوارزم، وهو الذي يقول في رثائه:
ماتت به بدع تمادى عمرها
دهراً وكان ظلامها لا ينجلي
وعلا به الإسلام أرفع هضبة
ورسا سواء في الحضيض الأسفل
وقد جعل الإمام الرازي غايته من تلك المنزلة العلمية العليا، المتساوية الدرجات بين موارد الثقافة والمعرفة: أن يضع القرآن العظيم موضع الدراسة والبحث والتحليل على منهج يرى تفوق الحكمة القرآنية على سائر الطرائق الفلسفية، وانفرادها بهداية العقول البشرية إلى غايات الحكمة، من طريق العصمة.