وكانت الطريقة المثلى في نظره، لإدراك ما في القرآن من أسرار حكيمة، وبث ما تضمنه من مطالب فلسفية وعلوم طبيعية، إنما هي طريقته الكلامية المختارة المتبعة لمنهج الغزالي، وإمام الحرمين، والباقلاني، وأبي إسحاق الإسفرايني، والإمام أبي الحسن الأشعري، فلذلك كان يرى: أن الطريقة الأخرى، وهي طريقة المعتزلة، هي التي عطلت القرآن عن أن تفيض على الناس غيوثه الحكيمة وأن المعتزلة لما آمنوا بالحكمة اليونانية، حجبوا عن الوصول إلى أسرار القرآن، فأصبح مبلغهم في تفسيره، تحقيق أعاريبه، وتحليل تراكيبه، وبيان ما اشتمل عليه: من بديع النكت، وبليغ الأساليب، على نحو أبرز عليه الزمخشري تفسيره الكشاف، وقبله أبو إسحاق الزجاج ثم الشريف المرتضى، فاستقر حكمه أخيراً على أنه: ما دام المعتزلة مستحوزين على طريقة التفسير النظري، وما دام أسلوبهم مسيطراً عليه، فإن القرآن لا يزال محجوباً عن أفكار أهل المدارك الحكيمة، تحول بينهم وبين لبه بحوث في القشور النحوية، وتقارير للقوالب البلاغية، هنالك ناشد نفسه، وناشد الناس، أن يغوصوا على منابع القرآن ليفجروا منها سيولاً فياضة يستطيعون أن يغترفوا منها حكمة صافية: هي روح الهداية التي جاء القرآن ينير بها العقول، ويشرح لها الصدور.


الصفحة التالية
Icon