ولاقت هذه الدعوة استغراباً وإنكاراً، فأصبحت نظريته محل بحث، ومجال أخذ ورد، بينه وبين معاصريه من المتبعين والمخالفين. وانتصب الإمام الرازي يبرهن على نظريته ويستدل لها، ويضرب عليها الأمثال، حتى جرى في بعض دروسه يوماً مثال مضروب على ما حيل بين الناس وبين عوالي الحكمة القرآنية، فادعى أن سورة الفاتحة وحدها يمكن أن يستنبط من فرائدها ونفائسها عشرة آلاف مسألة، فزاد الناس استغراباً لتلك الدعوة، ولجاجاً في معارضتها وحملوا ذلك كما يقول هو بلفظه: "على ما ألفوه من أنفسهم من التعلقات الفارغة عن المعاني، والكلمات الخالية عن تحقيق المعاقد والمباني" فاضطره ذلك إلى أن يبرز في معرض التطبيق، ما كان يقرره في حيز النظر. وأقدم على تصنيف كتاب في تفسير سورة الفاتحة: استهله بمقدمات ذات خطط منهجية تنتهي إلى إثبات أنه لا عجب في أن تستنبط تلك المسائل الكثيرة، من الألفاظ القليلة فأخذ مثلاً قوله تعالى: ﴿ ؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ﴾ وبين أن الوجود ليس محصوراً في العالم الذي ضبطت أحواله المخارف الإنسانية، لأن الخلاء الذي لا نهاية له خارج هذا العالم، صالح لأن يشتمل على الآلاف من العوالم الأخرى وأن يحصل في كل واحد من تلك العوالم، مثل ما حصل في عالمنا هذا وأعظم وأجسم من ذلك وأنشد قول أبي العلاء المعري:
يا أيها الناس كم لله من فلك
تجري النجوم به والشمس والقمر
هين على اللّه ماضينا وغابرنا
فما لنا في نواحي غيره خطر