وإذا كان بعض الناس لم يزل في شك من القيمة السامية لهذا التفسير، فإن كلمة قديمة لاكتها الألسن، قد كانت من أعظم أسباب هذا الشك. وذلك ما راج في مجالس العلماء، قديماً وحديثاً، من أن "تفسير الرازي قد اشتمل على كل علم إلا التفسير".
فإنها كلمة صدرت عن غير رواية ولا تحقق، وانبنت على مقارنة سطحية بما أشار إليه فخر الدين نفسه: من تلك الطريقة المألوفة التي التزمت في التفسير من قبله وهي طريقة تحليل التركيب والغوص على مناحي الاستنباط منه. وإنها لا محالة طريقة جليلة لا غنى عنها لطالب التفسير على وجهه الأكمل. ولكنها ليست هي كل التفسير، بل نستطيع أن نقول: إنها تدخل في مقدمات التفسير لا في نتائجه. وقد نوهنا، فيما مضى، بتفسير الكشاف تنويهاً عظيماً. ولكن ذلك لا يحملنا على أن نتعصب لطريقة الكشاف على ما فيها من إتقان وإبداع، حتى نغض من منزلة تفسير الفخر الرازي، كما يطمح في الغض منها كثير من المتعصبين لتفسير الكشاف. ولعل الإمام الرازي، قد اعتبر الناحية اللفظية من تفسير القرآن آخذة حظها وزيادة، في التفاسير الأخرى، فجاء يولي عنايته الغاية المقصودة من ورائها، التي وقفت دونها همم المفسرين. لا سيما وقد وضع كتابه كما بينا، لغرض إقناعي معين.


الصفحة التالية
Icon