على أن الفخر الرازي لم يكن في ما أورد من مسائل العلوم جالياً إياها على وجه الاستكثار والاستطراد، وإنما هو سائر في ذلك على طريقة قويمة، تسير على اعتبار أن المطلوب الأول، إنما هو معنى الآية، إذ يأخذ في بيان مفادها الأصلي، موقفاً على محل استخراجه من التركيب بحسب قوانين العربية، ونكت بلاغتها، مقتصداً في ذلك غير مسرف، ثم يذهب في تربية ذلك المعنى وتوسيعه، مذهب الإبانة والتفصيل، مجتهداً في ربط أوصال الكلام، وإحكام تسلسل المعاني، والتنبيه على تولد بعضها من بعض، حتى تنتهي بذاتها إلى المساس بمطالب حكمية، ومسائل علمية، يسوقها حينئذ على أنها حلق متممة سلسلة المعنى المرتبط بأصل المفاد القرآني، على أحكم وجه من الربط.
فإذا كان الدارس المتخصص المكين في علوم العربية يهمه أن يتوسع في تحليل التركيب يسلك من ذلك إلى التوسع في تحرير المعاني، فإن تفسير الزمخشري، وتفسير الرازي، يتكاملان لديه.
أما صاحب المنزلة الثقافية المطلقة، من غير المتخصصين في علوم العربية، فإن مفزعه لا يكون إلا إلى الرازي وحده، وله في فخر الدين غنية.
***
تصحيح نسبة التفسير
إلى الإمام الرازي
كانت الأيام تعقد الجسر الواصل بين حد القرن السادس والقرن السابع، وفي هذه الأيام انتصب الإمام فخر الدين الرازي يخرج للناس تفسيره العظيم. وقد جاءت نصوص هذا التفسير بذاتها، مشتملة على ضبط التواريخ التي تم فيها تفسير سورة من القرآن العظيم، كما كنا بينا من أن هذا التفسير مجزأ في أصله على السور على معنى أن تفسير كل سورة كتاب قائم بذاته.


الصفحة التالية
Icon