وجمعاً بين الأدلة الناشئة من اعتبار الشواهد والناشئة من اعتبار القوادح مال كثير من المحققين إلى تتبع المواقع التي بدت فيها القوادح، فوجدوها منحصرة في أماكن متأخرة في الترتيب عن التي ظهرت فيها الشواهد، فجزموا بأن أول الكتاب من وضع الرازي وأن آخره من إكمال غيره واعتضدوا لذلك بأن الأقربين إلى عصر الرازي من مترجميه ذكروا أنه لم يكمله وفي مقدمتهم ابن خلكان وقد عين صاحب كشف الظنون اثنين ذكر أن أحدهما صنف تكملة له، وذكر أن الآخر أكمل نقصه، ويظهر أن التكملة كتاب مستقل ولكن إكمال النقص هو الأجدر بأن يحمل على ما اتصل بوضع الرازي، وذلك ما نسبه صاحب كشف الظنون إلى القاضي شهاب الدين الخوبي الدمشقي المتوفى سنة ٦٣٩هـ وهو قريب عهد من الإمام الرازي، ولايبعد أنه من تلاميذه، والذي يبدو في نظرنا فيصلاً بين ذلك كله: أن الرازي لما انتصب في آخر حياته لتصنيف التفسير تمكن من إخراج شئ منه في تحريره النهائي وبقي شئ في الأمالي والمسودات بيد بعض تلاميذه، فأقبل على تصنيفه وتحريره، وألحق في ذلك الفرع بالأصل. فالكتاب بروحه هو للرازي كله وبتحريره هو من وضعه في الأول ووضع تلميذه الخوبي في الآخر. على أن تحقيق محل الفصل بين التحريرين أمر لا دليل عليه ولا سبيل إلى تحقيقه بالقطع، لا سيما وبين أيدينا أدلة على أن تفسير الرازي قد كان ذكره شائعاً ونصه مفقوداً في أوائل القرن الثامن ببلاد العجم كما ورد ذلك في كلام للإمام شرف الدين الطيبي في حاشيته على الكشاف نقلاً عن والده ومن ذلك يستقرب أن مطلع النص التحريري للكتاب إنما كان من الشام، موطن الشهاب الخوبي بحيث لم ينتشر في أقصى بلاد العجم إلا في القرن الثامن.
*****
تفسير البيضاوي


الصفحة التالية
Icon