كان فخر الدين الرازي، بتفسيره الكبير: " مفاتيح الغيب " فاتحاً كبيراً: تهجم بمداركه القوية على مجال علم التفسير فوجده مجالاً لطائفتين من أهل الثقافة الإسلامية، منحصراً تحت سيطرتهم، هما: طائفة المحدثين، وطائفة الأدباء، يتجاذبونه بينهم، متنازعين تارة، ومتقاسمين أخرى، فشن غارته، على المحدثين وعلى الأدباء جميعاً، وانتزع الميدان منهم انتزاعاً وغلاباً فساد عليه وحازه متصرفاً فيه ثم استحقه وأورثه أخلافه من بعده: رجال الأصلين: أصول الدين، وأصول الفقه.
فاصطبغ علم التفسير من هذا الاستحقاق بصبغته الجديدة، في مطلع القرن السابع، إذ تقرر ثبوته لأهل الحكمة الدينية وارتفع عنه امتلاك أهل الحديث وأهل العربية، وبذلك اتجهت كتب التفسير وجهة جديدة، وضعت العلم في نصاب غير الذي كان موضوعاً فيه ومكنت منه أيدياً لم تكن هي المتعاطية له من قبل فنشأ له من اختلاف النصاب، واختلاف المتعاطين، وضع اختلف به عن وضعه السابق اختلافاً بيناً، وتطلب هذا الوضع معارض ومجالي يتمثل فيها الكيان الجديد الذي ثبت للتفسير في وضعه الجديد.
فكانت تلك المعارض والمجالي هي التفاسير التي ابتدأ ظهورها متسلسلة متواصلة، في أثناء القرن السابع، وأبى الله إلا أن يكون مطلعها من ذلك الأفق الزاهي بكواكب التفاسير، على الوضع السابق، وهو الأفق المشرقي الأعجمي، إذ كان ابتداء مطلعها هنا من مدينة تبريز في الشمال الغربي للبلاد الإيرانية على يد القاضي ناصر الدين البيضاوي.
كان البيضاوي ناشئاً على تلك الطريقة الفقهية الشافعية، المخططة على الجمع بين عناصر الثقافة الإسلامية، تخطيطاً أصله الجمع بين أصول الدين وأصول الفقه، وضم علوم العربية والأدب إلى علوم الشريعة والحكمة.