وبذلك عظم صيت الكتاب، وطار ذكره، وأقبل الناس عليه، إذ وجدوا فيه الضالة المنشودة من التفسير العلمي على الطريقة التحليلية اللفظية، التي عظمت بها من قبل شهرة تفسير الكشاف، لا سيما والبيضاوي قد مشى مع تفسير الكشاف في ما يحب الناس منه، وخلص أو كاد، مما ينفرهم من الكشاف ويباعد بينه وبينهم على نحو قول الأحوص:
إني لأمنحك الصدود وإنني
قسماً إليك مع الصدود لأميل
وإنه لما يلاحظ في هذا الصدد: أن تفسير الكشاف لم يعظم رواجه، ويتعلق به علماء السنة هذا التعلق المزيج من الحب والحذر، إلا في ذلك القرن السابع، إذ انصرف الكاتبون إلى التعليق عليه بالتنبيه على مواقع الأنظار الاعتزالية منه، وتمييزها، وردها، إذ ظهر من هؤلاء في النصف الثاني من القرن السابع، معاصرون للبيضاوي أو متقدمون عليه بقليل، أمثال ابن المنير الإسكندري صاحب " الانتصاف ". فكان بروز البيضاوي بتفسيره ملخصاً من الكشاف، زائداً عليه، مبرأ من سقطاته، برداً وسلاماً على تلك القلوب التي كانت تهفو إلى الكشاف وتتهيبه.
وبذلك أصبح تفسير البيضاوي، منذ اشتهاره ورواجه، مروجاً للكشاف، مدخلاً إياه في معاهد وبيئات علمية لم يكن يتصل بها من قبل.
لأن الدارسين للبيضاوي قد تعلقوا، في سبيل إتقان دراسته، والوفاء بحق البيان لإشاراته، والكشف عن مرامي عباراته، إلى الوقوف على كلام صاحب الكشاف وتتبعه وتحليله، فأصبحت دراسة البيضاوي دراسة للكشاف بواسطة. وبذلك لم تتوفر حواشي الكشاف إلا في القرن الثامن وما بعده، ولم تطلع غالباً إلا من الآفاق العلمية التي كانت مستنيرة بالبيضاوي وتأليفه.