وما هذا المعنى من النماذج إلا أثر تلك الدروس الحافلة لتفسير البيضاوي التي استوعب فرسان ميادينها ما حول الكتابين: تفسير البيضاوي والكشاف فعرضوها في معرض التقرير الحكيم، ثم ناقشوها بالنقد والمقارنة والمعارضة، حتى اتصل ما بين بعضها وبعض في تلك المجالات التقريرية العالية، اتصالاً كون بينها لحمة نظرية، فجعلها عناصر وحدة موضوعية متكاملة، وبذلك كان كل جيل من أجيال العلماء ينقضي يترك وراءه من تلك البحوث الصعبة أوقاراً على ظهور الجيل الناشئ يزيد بها تدريس البيضاوي على متعاطيه مشقة وصعوبة، حتى أصبح تدريسه منتهى مبلغ الهمم العالية، وميزان الملكات والمواهب، فوضع في أعلى الهيكل الهرمي لمواد التخرج في العلوم الإسلامية، وعمت منزلته تلك أقطار الإسلام في المشارق والمغارب، فتأصلت منزلته أولاً في الشرق الأوسط، والشرق الأقصى، وانتظم في المناهج الدراسية ببلاد فارس، وبلاد الأفغان، والأقطار الهندية، ثم كان في جملة ما تسرب من الملتزمات التعليمية من البلاد الفارسية إلى آسيا الصغرى وعموم الممالك العثمانية واشتهر بمصر من قبل الفتح العثماني إذ كان من الكاتبين عليه من العلماء المصريين، في أواخر القرن التاسع وأوائل العاشر، القاضي زكريا الأنصاري، والإمام السيوطي، وعظم شأنه في القرن العاشر بانتظام أهم معاهد العلم في البلاد العربية في تاج الخلافة العثمانية، وخاصة الجامع الأزهر، وجامع الزيتونة.
وبذلك تقاربت مناهج التعليم، بين البلاد الإسلامية كلها، على الطريقة الأعجمية، فأصبح تفسير البيضاوي ملتزم التدريس من أقاصي الهند إلى المغرب الأقصى، وزاد اعتزازاً بالحاشيتين الشهيرتين اللتين كتبتا عليه:


الصفحة التالية
Icon