إحداهما بلاهور عاصمة بلاد البنجاب من الباكستان الغربية وهي: حاشية المحقق عبد الحكيم السيالكوتي، التي سارت مثلاً في التحقيق، والتحليل، وصواب النظر، ورشاقة العبارة، والإغراق في الإشارة حتى اعتبرت عنقاء الدارسين وآبدة الناظرين.
والحاشية الثانية من حواشي القرن الحادي عشر: هي حاشية العلامة المصري، الأزهري النشأة، شهاب الدين الخفاجي، التي سماها: " عناية القاضي وكفاية الراضي " وهي تامة، بخلاف حاشية عبد الحكيم، وواسعة، كثيرة المباحث والفوائد، وسعت دائرة تفسير البيضاوي علماً، أكثر مما وسعتها نقداً وبحثاً.
وإن الذي عد في كتاب كشف الظنون فقط، من الحواشي والتعاليق على تفسير البيضاوي، ليقرب عده من خمسين، فضلاً عما لم يذكر فيه مما كتب بعد، مثل الحاشيتين الهامتين: حاشية عبد الحكيم وحاشية الخفاجي.
على أن القاضي البيضاوي لم يسلم من أمر وقع فيه قبله صاحب الكشاف، وتهاون بأمره العلماء بعد القرن الثامن: وهو عدم التحري في درجة الأحاديث التي يوردها، معرضاً بما عليها من النقد والتزييف، وما يتصل بها من مباحث التجريح والتعديل، وذلك أمر أخذ عليه بحق وإن حاول صاحب كشف الظنون تخفيف أمره عليه، فإن الشهاب الخفاجي لم يزل يعلق على حديث مما أورده البيضاوي بأنه موضوع، وخاصة أحاديث فضائل السور، وقد ألف المحدث الشامي الشيخ عبد الرءوف المناوي كتاباً في تخريج تلك الأحاديث: سماه " الفتح السماوي في تخريج أحاديث البيضاوي " فكان شأن البيضاوي شأن غيره من أعاظم العلماء الذين تهاونوا بذلك، فأخذ عليهم أخذاً لم ينجهم منه تأويل المتأولين. واعتذار المعتذرين.
*****
تفسير ابن عرفة
في حين اصطبغت الدراسة في الشرق الإسلامي بصبغة البحث الشكلي، والتحليل اللفظي واتجهت إلى صياغة التأليف والتحرير، فولت وجهها شطرها، واتخذت مناهج المؤلفين وعباراتهم مواضيع للبحث ومواد للتقرير.


الصفحة التالية
Icon