وتكيفت صناعة التأليف بما اقتضته تلك المناهج، حتى شاع فيها الاختصار، والتزمت دقة التحرير، وصار الكتاب الواحد غير صالح للاستقلال بذاته في الدراسة حتى يرجع به إلى أصوله التي منها استقى، ليتبين كيف اندرجت المعاني المشروحة المبسوطة في تلك القوالب المختصرة المكتفية بالإشارة عن العبارة.
في ذلك الحين كانت بلاد المغرب العربي، متمسكة في التدريس بطريقة البحث الموضوعي والتحليل العنصري متجهة في التأليف وجهة الشرح والبسط غير آبهة لطريقة البحث اللفظي ولا ملتفتة في التأليف إلى المختصرات التي قامت فيها الإشارات مقام العبارات فكانت الدروس التي حفلت بها المدارس بطرابلس، وتونس، وقسنطينة، وبجاية، وتلمسان، ومراكش، وفاس، وسلا، ومالقة، وغرناطة، في القرن الثامن، دروساً تختلف في منهجها ومادتها وأسلوبها عن الدروس التي كانت تذخر بها في ذلك القرن الثامن نفسه مدارس البلاد الشرقية، وخاصة المدارس الأعجمية بأصبهان، وشيراز، وكرمان، وهراة، وكابل، وسمرقند، وبخارى، وسرخس، واستراباد، أو المدارس الهندية في لاهور، وسيالكوت ولكنو، ودلهي وحيدر آباد، وبلكرام وقيزوج، أو المدارس الحديثة الظهور يومئذ في البلاد الرامية العثمانية من أدرنة وتفغنيسا، وكوتاهية وقونية وأنقرة وقسطمولي وسيواس.
فكان منهج التدريس الشرقي شرحاً للكتب وتقريراً وتعليقاً.
وكان منهج التدريس المغربي دراسة للعلوم وبحثاً وإملاء، وكانت بلاد الشرق العربي ملتقى لهذين المنهجين يتناظران بها حول الجامع الأزهر الشريف متجهاً أحدهما إلى الضفة الشرقية لوادي النيل ومتجهاً الآخر إلى الضفة الغربية له.