فلا عجب إذا رأينا تفسير البيضاوي يشتهر ويسمو، ويجر وراء اشتهاره وانتشاره انتشاراً جديداً لتفسير الكشاف، أن نرى منهج دراسة التفسير في البلاد المغربية وخاصة بتونس منهجاً غير متكيف بما ينسجم مع الخصائص التي أشاعت تفسير البيضاوي ونفخت في شهرته ودفعت إلى الإقبال عليه.
فنجد دراسة التفسير بتونس سائرة على منهج الإملاء لا على منهج التقرير وذلك منهج غير الذي وضع عليه تفسير البيضاوي ومثله من الكتب المحررة بالاختصار.
ونجد العامل الذي رجح عند الدارسين الشرقيين تفسير الكشاف باعتباره مادة لدراسة البيضاوي حتى اشتهر كشاف الزمخشري شهرة غطى بها على ما عداه من كتب التفسير عاملاً غير متوفر في مدارس تونس وغيرها من المدارس المغربيات، وهي التي كانت تجد كلها القدوة العظمى والمثل الأسمى في إمام التفسير والشريعة وفنون الحكمة الإسلامية الشيخ أبي عبد الله محمد بن عرفة الورغمي المتوفى بتونس سنة ٨٠٣هـ.
فقد كان الناس في ذلك القرن الثامن الذي ملأه صيت ابن عرفة يشدون الرحلة من البلاد الأندلسية والبلاد الليبية وما بينهما من الأقطار الضاربة إلى البلاد السودانية وراء الصحراء الكبرى ليتتلمذوا لابن عرفة بتونس ويتخرجوا عليه.
وكان ابن عرفة من منتصف القرن الثامن منتصباً لتدريس التفسير إلى نهاية القرن ونهاية حياته هو.
فكان ابن عرفة طيلة نصف قرن أو أكثر غير منقطع عن درس التفسير كلما انهى ختمة منه أعاد ختمة جديدة. وكانت أفواج الطلبة المتخرجة بين يديه في ذلك الدرس أجيالاً متعاقبة متتالية كلما تخرجت منها طبقة، فانتشرت تبث العلم في أرجاء البلاد المغربية أقبلت طبقة بعدها ترتوي كما ارتوت سابقتها من ذلك المنهل الفياض الذي لايجف نبعه ولا ينقطع معينه.


الصفحة التالية
Icon