وكان ابن عرفة يسلك مسلك الجمع والتحليل والإملاء فتُتلى الآية أو الآيات بين يديه ثم يأخذ معناها بتحليل التركيب وإيراد كلام أئمة اللغة أو النحو على معاني المفردات ومفاد التراكيب منشداً على ذلك الشواهد ومورداً الأمثال والأحاديث. ويهتم بالتخريج والتأويل حتى تتضح دلالة الآية مستقيمة على المعنى الذي يتعلق به ويرد ما عسى أن يكون قد وقع من تخريج بعيد أو تأويل غير مقبول بتطبيق القواعد اللغوية والنكت البلاغية أو بإثارة ما يتعلق بالمفاد من مباحث أصولية ترجع إلى أصول الدين أو أصول الفقه، جاعلاً عمدته في هذه المباحث تفسير ابن عطية غير معرض عن تفسير الكشاف، فيعتبر كلام ابن عطية حاصلاً بين أيدي مستمعيه ليسايره أو يرده. ويورد كلام الزمخشري كلما تعلق قصده بإيراده لنقل أو استدلال أو دحض، ويكثر إيراد الآراء والمذاهب عن العلماء في كل مسألة بحسبها من أئمة المذاهب أو المتكلمين أو رجال الأصول لا سيما أصحابه الأدنون في طريقته النظرية مثل: عز الدين بن عبد السلام، والإمام الرازي والقاضي عياض، والقاضي ابن العربي والإمام المازري. وكان يفتح المجال في إلقائه للبحث والسؤال. وكثيراً ما يعتبر سؤال واحد من طلبته مثاراً لبيان عنصر من عناصر الموضوع ما كان ملتفتاً إلى إثارته قبل ذلك السؤال، وهو شديد الاهتمام بأن ينتزع من الآيات ما هو من سياقها أو ليس منه بما يرجع إلى الأحكام التكليفية من مسائل الأصول ومسائل الفقه وإيراد ما يتعلق بذلك من الأنظار ومناقشتها.
وعلى هذه الطريقة، تكون من درس ابن عرفة تفسير نفيس: حي المباحث، مستقل الأنظار، متين المباني، غزير الفوائد.


الصفحة التالية
Icon