آتَيْنَاهُم الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} ١يَعْنِي الْيَهُود. والضالون هم النَّصَارَى؛ لأَنهم ضلوا فِي الْحجَّة فِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وعَلى هَذَا التَّفْسِير أَكثر الْمُفَسّرين٢، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم٣وَيلْحق بهم فِي الضلال الْمُشْركُونَ الَّذين أشركوا مَعَ الله إِلَهًا غَيره؛ لأنّه قد جَاءَ فِي أثْنَاء الْقُرْآن مَا يدل على ذَلِك؛ ولأنّ لفظ الْقُرْآن فِي قَوْله: ﴿وَلا الضَّالِّينَ﴾ يعمهم وَغَيرهم، فَكل من ضل عَن سَوَاء السَّبِيل دَاخل فِيهِ. وَلَا يبعد أَن يُقَال: إِن ﴿الضَّالِّينَ﴾ يدْخل فِيهِ كل من ضل عَن الصِّرَاط الْمُسْتَقيم، كَانَ من هَذِه الْأمة أَو لَا، إِذْ قد تقدم فِي الْآيَات الْمَذْكُورَة قبل هَذَا مثله، فَقَوله تَعَالَى: ﴿وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ ٤عَام فِي كل ضال كَانَ ضلاله كضلال الشّرك أَو النِّفَاق، أَو كضلال الْفرق المعدودة فِي الْملَّة الإسلامية، وَهُوَ أبلغ وَأَعْلَى فِي قصد حصر أهل الضلال، وَهُوَ اللَّائِق بكليّة فَاتِحَة الْكتاب والسبع المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم، الَّذِي أُوتيه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم"٥.

١ - سُورَة الْبَقَرَة، الْآيَة: ١٤٦.
٢ - انْظُر تَفْسِير ابْن أبي حَاتِم (١/٢٣) فقد قَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم: "وَلَا أعلم بَين الْمُفَسّرين فِي هَذَا الْحَرْف اخْتِلَافا" يَعْنِي تَفْسِير "المغضوب عَلَيْهِم" باليهود، و "الضَّالّين" بالنصارى.
٣ - أخرجه التِّرْمِذِيّ (٥/٢٠٢، ٢٠٣) كتاب تَفْسِير الْقُرْآن، بَاب وَمن سُورَة فَاتِحَة الْكتاب، تَحت رقم (٢٩٥٣)، وَالْإِمَام أَحْمد فِي الْمسند (٤/٣٧٨، ٣٧٩)، وَابْن جرير فِي تَفْسِيره (١/١٨٥) وَمَا بعْدهَا، وَابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره (١/٢٣)، وَابْن حبَان فِي صَحِيحه - مَعَ الْإِحْسَان - (١٦/١٨٣، ١٨٤). والْحَدِيث صحّح أَحْمد شَاكر إِسْنَاده. انْظُر تَفْسِير ابْن جرير الْموضع الْمُتَقَدّم.
٤ - سُورَة الْأَنْعَام، الْآيَة: ١٥٣.
٥ - الِاعْتِصَام (١/١٨٤، ١٨٥).


الصفحة التالية
Icon