ومن هذا المنطلق؛ فقد كان العلماء والمفسرون الأجلاء، يقفون عند كل آية، وكل كلمة، وكل حرف في كتاب الله، ليتعرفوا الحكمة من وضعها في مواضعها التي هي فيها، ويبحثون عن علاقة هذه الآية بسابقتها ولاحقتها، ولم ذيلت هذه الآية بالعزيز الحكيم، وذيلت أختها بالغفور الرحيم ؟ ولماذا قال هنا: لعلكم تتقون، وقال هناك: لعلكم تتفكرون؟.
ولم يكتف العلماء بالحديث عن علاقة الآية بما قبلها وما بعدها، أو العلاقات داخل الآية الواحدة، وإنما كانوا يتتبعون الخيط الذي يربط آيات السورة من أولها إلى آخرها، ومحورها الرئيس، وعلاقة مطلعها بخاتمتها، واسمها بمحورها.
وتطرقوا في كتبهم إلى دراسة التناسب بين السورة والسورة التي تسبقها، وتلك التي تليها، بل والمناسبة بين السورة في أول المصحف ونظيرتها في آخره.
ولم يزل العلماء يتساءلون ويحاولون الإجابة، إلى أن غدا علم المناسبة علماً قائما بذاته، له أصوله وقواعده، وشرفه وأهميته؛ حتى قال الإمام البقاعي،(١)في (نظم الدرر): " فلذلك كان هذا العلم ـ يقصد علم المناسبات ـ في غاية النفاسة، وكانت نسبته من علم التفسير؛ نسبة علم البيان من النحو"(٢).
وأصبحنا نرى الكتب والأبحاث الكثيرة تحمل عناوين مثل: " الوحدة الموضوعية " في سورة كذا، أو سورة كذا، على اعتبار أن السورة وحدة واحدة.

(١) …أبو الحسن، إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط البقاعي ( ٨٠٩ ـ٨٨٥ هـ )، من البقاع بسورية، سكن دمشق وبها توفي، مؤرخ أديب مفسر له: أخبار الجلاد في فتح البلاد، ومصاعد النظر في الإشراف على مقاصد السور، وهذا التفسير. [البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ص٤٠-٤١، الأعلام ١ /٥٦.].
(٢) …البقاعي، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، (١/٥)، دار الكتب العلمية، لبنان، ط ١، ١٩٩٥م.


الصفحة التالية
Icon