وذكر في (اللباب) وجوهاً لمناسبة قصة البقرة مع ما قبلها:" أحدها: أنه تعالى لما عدد النعم المتقدمة على بني إسرائيل؛ كإنزال المن والسلوى، ورفع الطور، وغير ذلك؛ ذكر بعد هذه النعم التي بيّن فيها البريء من غيره، وذلك من أفضل النعم. الثاني: أنه تعالى لما حكى عنهم التشددات والتعنت، كقولهم: ژ ھ ے ے ؟ ؟ ؟ ؟ ژ (١)[البقرة: ٥٥]، وقولهم: ژ ں ں ؟ ؟ ؟ ژ [البقرة: ٦١]، وغير ذلك من التعنت، ذكر بعدُ تعنتاً آخر؛ وهو تعنتهم في صفة البقرة"(٢).
قال الشوكاني:" لما ذكر سبحانه حال بعض الشاكرين لنعمه عقبه بحال بعض الجاحدين لها فقال: ژ ؟ ؟ ؟ ژ [ سبأ: ١٥] "(٣)، يقصد الربط بينها وبين قصة سليمان وداود الشاكرَيْن.
وعن حكمة مجيء قصة عيسى بعد قصة يحيى عليهما السلام قال الفخر الرازي: " إنما قدم قصة يحيى على قصة عيسى عليهما السلام، لأن خلق الولد من شيخين فانيين، أقرب إلى مناهج العادات من تخليق الولد لا من الأب البتة؛ وأحسن الطرق في التعليم والتفهيم الأخذ من الأقرب فالأقرب مترقياً إلى الأصعب فالأصعب"(٤)، وذلك بحسب التصور البشري والقدرة البشرية.
يضاف إلى ذلك أن قصة زكريا ويحيى في السورة – مثلما كانت في الواقع – فإنها كالتمهيد والتقديم لقصة مريم وعيسى عليهم السلام، فالسورة اسمها مريم وبدايتها عن زكريا تمهيداً وتهيئة، وفيهما من التشابه الكثير؛ إذ إن الناظر في قصتيهما، سيجد، وبشكل يكاد يكون مطردا، أن عناصر قصة يحيى، تشكل مقدمة وتوطئة وتمهيدا، لما يقابلها من قصة عيسى، التي تبدو عناصرها أكبر وأكمل.

(١) …في المطبوع: ( يريد الله جهرة) [النساء: ١٥٣]، وهو خطأ من جهتين: أن آية النساء فيها ( أرنا) وليس( يريد)، والثانية أن السياق هو عن آيات البقرة وليس عن آيات النساء، ولذلك اقتضى التصحيح.
(٢) …ابن عادل، اللباب في تفسير الكتاب، ( ٢/١٥٣).
(٣) …الشوكاني، فتح القدير، ( ٤/٤٢١).
(٤) …الرازي، التفسير الكبير، ( ٧/٥١٩- ٥٢٠).


الصفحة التالية
Icon