قال صاحب كتاب البيان القرآني: إن " التصوير سمة عامة للبيان القرآني في كل مجالاته التعبيرية، وهو في القصة القرآنية على أتم ما يُعهد، فأنت تعرف الشخصيات القرآنية معرفة متميزة؛ حتى لتفرق بوضوح بين سمات يوسف وموسى وإبراهيم وسليمان، وبلقيس وامرأة العزيز، لا أقول السمات الظاهرية وحدها، بل السمات الخافية التي تمور في مسارب اللحم والعظم"(١).
وسنلحظ من خلال الأمثلة الآتية أن أية شخصية مهما تكرر ورودها في السور القرآن، وبالرغم من تعدد المواقف والتطورات الحاصلة في القصة، في سياق العمل الدعوي والحياتي، أو الانتقال من مرحلة عمرية إلى أخرى، بل لا نبالغ إذا قلنا بأن كل مجموعة بشرية وردت في القصص القرآني، لها ملامح خاصة تميزها عما سواها، بحيث تتناسق عناصر الشخصية وتتكامل، دون شذوذ ولا نشوز.
فأما إبراهيم عليه السلام فهو " نموذج الهدوء والتسامح والحلم: ژ چ چ ؟ ؟ ؟ ؟ ژ [هود: ٧٥ ](٢)، فهو الذي آتاه الله تعالى رشده صغيراً، فرفض عبادة الأصنام، بل كسرها وهو لما يزل فتى ليقنع قومه بخطأ الذي يفعلون، ويحاور عبَدة الأصنام والأجرام السماوية من قومه، كما يحاور أباه، ويتحمل مواقفه العدوانية مسالماً له وواعداً إياه بالاستغفار له، ونلاحظ إبراهيم عليه السلام في أكثر من سورة يتوجه إلى الله تعالى بالدعاء. وامتداداً لصفة الحلم عنده، يتكرر مشهد إبراهيم الخليل يحاجج ويجادل مرة أباه ومرة قومه وثالثة الذي آتاه الله الملك، بل إنه ليجادل الملائكة في قوم لوط.
وإذ نلحظ الشجاعة والجرأة العالية في مواجهات إبراهيم ومنذ صغره، مع كرم النفس والتسامح، فإننا نلاحظ إبراهيم عليه السلام الكريم الجواد الذي يأتي بعجل سمين حنيذ لضيوفه، ومعلوم أن هذه الصفات متلازمة، كما أن البخل والجبن واللؤم صفات متلازمة.

(١) …البيومي، البيان القرآني، (ص١٤٩).
(٢) …قطب، التصوير الفني في القرآن، ( ص١٦٤).


الصفحة التالية
Icon