وهذا يذكرنا بالحديث الشريف :(إذا تبايعتم بالعينة(١)، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم )(٢).
والحديث هنا يصور بعض الناس آخذين بأذناب البقر تابعين لها، ولا شك أن العين والقلب والشعور والفكر، قد سبقت الخطو في اتباع أذناب البقر، حين ظن هؤلاء أن رزقهم وحياتهم مرتبطان باتباع البقرة فلم يعودوا ينظرون إلى السماء.
وقد اقترن بهذه النقيصة، ترك الجهاد والرضا بالزرع، والتبايع بالعينة، حيث تؤدي بمجموعها إلى ذل لا ينزعه تعالى عن مستحقيه إلا بالعودة إلى الدين. فهو انحراف كبير عن الدين، وركون إلى الدنيا وخمول وكسل، يكون في مجتمع زراعي قد رضي بالزرع فما عاد يفارق تلك البقعة المحدودة من الأرض، لا يتحرك أبعد مما تتحرك البقرة، ولا تكاد عينه ترتفع عن ذيلها، ومن الطبيعي في مجتمع راكد كهذا أن يقترض الناس المال لتسيير أمورهم إلى حين الحصاد، فيقرض غنيُّهم محتاجَهم بالربا، ولكنه يبحث عن " حيلة شرعية " ويظن، لسوء فهمه وقلة دينه، أنه يقدر على خداع الله تعالى، كما يمكنه خداع الناس، ومثل هذا المجتمع الذي يتفلت من الدين؛ لن يرجى منه أن يحمله لغيره، وحيث لم تعُد له رسالة يتحرك من أجلها فقد ترك جهاد الطلب، وقعد عن جهاد الدفع.
وحين يُحذر الرسول عليه السلام، المسلمين من اتباع أذناب البقر؛ فكأنه يقرر أنهم وإن لم يصلوا إلى دَرَك عبادتها، لكن يمكن أن يصلوا إلى ما يقارب نفسيات وسلوكيات عابديها.

(١) …العِينة: قرض في صورة بيع، لاستحلال الفضل( الربا). انظر: الموسوعة الفقهية، (٩/ ٩٥-٩٧)، وزارة الأوقاف، الكويت، ط٢، ١٤٠٧هـ- ١٩٨٧م.
(٢) …رواه أبو داود في كتاب البيوع، رقم( ٣٤٦٢)، وأحمد في مسند عبد الله بن عمر، رقم( ٤٧٦٥)، وأورده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم (١١ ).


الصفحة التالية
Icon