فالآية الأولى جاءت في سياق وصف المنافقين وتخويفهم، والمناسبة بين التخويف وطلاقة قدرة الله، هو أن من كانت له القدرة المطلقة قادر على إنفاذ وعيده، ويشبه ذلك الآية ( ١٠٩) التي طالبت المؤمنين أن يقابلوا ما يلقونه من أهل الكتاب من الحسد والعمل الدؤوب لردهم عن دينهم، بالعفو والصفح حتى يأتي الله بأمره، حيث يتضمن ذلك الأمر وعداً ووعيداً بنصر المؤمنين وخذلان الكافرين، ومن ثم كان التذكير بقدرة الله المطلقة لتحقيق الوعد والوعيد، وكذلك فقد تضمنت الآية ( ٢٨٤) وعداً ووعيداً، بعدما ذكرت أن ملك السماوات والأرض لله وحده، وأنه سبحانه يحاسب عباده على ما يبدون أو يخفون، ومن ثم يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء، وهذا يستدعي التأكيد على قدرة الله المطلقة.
أما في الآيتين ( ١٤٨، ٢٥٩) فقد جاء تأكيد قدرته سبحانه على البعث والحساب، مرة بعد الدعوة إلى استباق الخيرات والإخبار بأنه سبحانه القادر على الإتيان بالناس أينما كانوا، والآية الثانية على لسان الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، إقراراً منه، بعدما أراه الله سبحانه، كيف يحيي الأرض بعد موتها.
وبالنسبة للآية ( ١٠٦) فقد جاء الحديث عن القدرة المطلقة على وجه الاستفهام المتضمن للإنكار والتقرير المشار فيه للتوعد والتهديد(١)، أنه سبحانه يقدر على الخير وما هو خير منه وعلى مثله في الخير، وأنه تعالى لما لم يأت بالثاني ابتداء لم يكن ذلك عن عجز؛ فإن من علم قدرته على كل شيء لا يظن ذلك(٢).
ومن الواضح أن فواصل القدرة المطلقة، وثيقة الصلة بموضوع السورة الكريمة، خاصة ما يتعلق بالآخرة بعثاً وحساباً وجزاءً، وكذلك ما يتعلق بما يقدره الله تعالى نسخاً أو ابتداء؛ فهو، فضلاً عن الحكمة فيه، فإنه لا يعني العجز عن المتروك أو المؤجل.
(٢) …القاسمي، محمد جمال الدين، محاسن التأويل، (١/٣٧١)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط١، ١٤١٨هـ - ١٩٩٧م.